آراء ومقالات

#أحوازنا-خطاب الكراهية الإيراني للعرب(2): الهلوكوست الشيعي وصورة السعودية نموذجاً

تنبع أهمية دراسة محتوى خطاب  الداعية الإيراني الشاب  رائفي   بور و تحليله من خلال ضرورة معرفة أوجه اهتمام الدولة الإيرانية  وأهدافها والرسائل التي تسعى  لتوجيهها  ، وذلك بغية التعرف بدقة ووضوح على السياسات العامة  لتعبئة البيئة الداخلية الإيرانية  ، لهذا لا بد من الوقوف عن كثب لمعرفة ما يقوله رائفي بور  ، وفي النهاية كيف يؤثر ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر في عملية توجيه الإيرانيين  . وخصوصا أن  الدولة الإيرانية  باتت توظف  وسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه فئة الشباب ، والتي من شأنها أن تؤثر في سلوكهم ووعيهم وفعلهم السياسيّ  و خاصة في القضايا المختلفة ؛ خصوصا تجاه الآخر ” العربي”  ، وترسم لهم نهجاً خاصاً لمواجهته

و لقد قمنا بالرصد والتحليل  .وباستعراض نشاطات بور ومحاضراته على وسائل التواصل الاجتماعي  ،  ما أمكن قياس مدى الأهمية المعطاة لمادة العرب والعلاقات معهم ، وتشابك العلاقات الإيرانية مع العالم العربي   ، فخضع جزء كبير من المحاضرات   التي وردت فيها القضايا والمسائل السابقة  لتحليل محتواها  ، والسياق الذي تم عرضها به ، وأمكن استخلاص المعاني الرئيسة ، التي ساهمت في تشكيل هذه الصورة  لدى الشباب الإيراني .

إيران دولة الخلاص وحملة  لواء الإسلام الحقيقي

المتابع  لطبيعة المعلومات  التي يعرضها بور ، يلاحظ الملاءمة والتوافق بين أهداف الثورة الإيرانية ، والفجوة العميقة بين ما تطرحة الثورة من شعارات ، حول الوحدة مع العالم الإسلامي ؛ لا سيما العربي  ، وما يتم تبنيه على أرض الواقع من سياسات إعلامية توجيهيه من خلال هذا الداعية الشاب المدعوم من الدولة الإيرانية وبقوة  ،حيث  تفرق ولا تجمع .وبالتالي فإن ما تطرحه الثورة هو مجرد شعارات ؛ حيث  أظهرت  محاضرات بور  ؛  من دون شك أن معالجته لصورة العربي ماهي في الواقع إلا نوعٌ من التشويه المنظَّم المزيف والمتعمد لهذه الصورة ،والانحياز  بشكلٍ واضحٍ وكبير إلى جانبٍ واحدٍ وهم الفرس ، وهي مليئةً بالعيوب والنقائص والتشويه  المنظم  بشكل غريب ومقيت .

يعتبر الداعية  بور  أن إيران هي من  يحمل لواء الإسلام الحقيقي  فقط  ؛ وإن العرب  هم المنحرفون عن الإسلام  ، وهم  أهل البدع والضلال  ، مستعرضاً الحقبة الجاهلية التي مر بها الأعراب ، وأبرز محطاتها المنحرفة عن الدين الاسلامي لغاية يومنا هذا .

ترسيخ فكرة   المظلومية  والهلوكوست الشيعي 

يتبنى بور  منهجية تقوم على رؤية  عنجهية عنصرية ،  ؛ حيث  يشير  بور في  جزء من محاضراته باستمرار إلى كون إيران  ضحيةً استهداف دائم؛ خصوصًا من العرب  ؛ وقد  عكست هذه الصورة وعيا متعصبا  للداعية بور مهجوسا بكراهية العرب ، والحط من شأنهم ، ومحاولة صناعة الهوية الإيرانية على وفق رؤية قومية  – مذهبية  ، وتشويه الحقائق من جهة أخرى ، وتصوير تاريخهم  و هو مليء بالفتن والخلافات بشتى صورها و أنواعها.

يركز بور  في محاضراته على  تاريخ الحرب العراقية الإيرانية ، وما جلبته هذه الحرب من ويلات ودمار ، وقتل  للشعب الإيراني ، محاولاً شحن فئة الشباب  بشحنة انتقام جارفة ، ورسم صورة دراما تراجيدية ، بحيث يسكن مخيلتهم شبح الإبادة بواسطة الحرب الكيماوية التي شنها العراق على إيران ، وإحداث حالة انفعالية تنقل الشاب الإيراني كونه سجين  ومحاصر بعقدة الهلوكوست  الشيعي الذي تم على أيدي العرب ، وبالتالي يصبح  مستعدا للتنشئة على أساس الروح الثأرية .

يتهم الداعية بور  العرب أنهم السبب في مظلومية الشيعة التي قادت إلى فتن و صراعات دائمة في التاريخ الإسلامي ، فيما  أصطلح على تسميته  بمحاولة إبادة إيران وتدميرها  وتشبيه صدام حسين ومن وقف معه من العرب بهتلر والنازيين ، مستحضراً  مسرح صورة عمليات القتال في أثناء الحرب العراقية الإيرانية ، وكيف تم توجيه السلاح الكيماوي  من جانب العراق ، وبث معلومات مفادها أن الدول الخليجية قامت  بشراء القنبلة النووية من فرنسا لصالح العراق  بهدف ضرب إيران ، وإبادة  شعبها  ، ومطالبة القادة في طهران بأخذ العظة والدروس من هذه الحرب ، وضرورة تسليح إيران بأسباب القوة  مهما كانت  . .

يؤكد الداعية  بور في محاضراته أن إيران  في حالة حرب دائمة  مستمرة مع العرب  ؛ وأن هناك تضافر دائم  بين المشروع العربي والإسرائيلي لتدمير إيران ، ويستحضر التحالف العربي الغربي الإسرائيلي ضد إيران  أيام الحرب العراقية الإيرانية ، داعياً الشباب إلى ترسيخ هذا الأمر في فكرهم ووجدانهم .

و يخلص الداعية بور في محاضراته إلى فكرة أن الشيعة مضطهدون وسيبقون استناداً إلى التجربة التاريخية  ، حيث يلح  للترويج  على هذه الفكرة ، وهذا الأمر يفوق أية فكرة أخرى يحاول بور  الترويج لها،من خلال استعراض محتوى محاضراته ، إذ يصر  على نشر قاعدة أن الشيعة جميعا قد تعرضوا لتيار من الاضطهاد عبر التاريخ، ” حصار الحسين ”  ، وما زالت أثاره مستمرة لغاية الآن . وربط هذه التضحيات بثمن الإيمان. والتذكير بالضحايا رجالا ، نساء ، أطفالا ، شيوخا …حتى تبقى هذه “المحرقة “حاضرة في أذهان الشعب الإيراني ، يتوارثونها جيلا بعد جيل .

إن اختيار رسم هذه الصورة ، والتوسل بالتاريخ والتربية المذهبية لترسيخ هذه الصورة ، والبحث عن صور ونماذج لإسقاطها على ما تعيشه إيران ، و ذلك لترسيخ فكرة استمرار التأمر عليها و على  ” ولي الفقيه ” اليوم  ؛   و قد أصبح شيئاً بمثابة  العقدة التاريخية أو العقدة النفسية الجماعية المتجذرة في العقل الجمعي الإيراني رغم زوال العناصر الموضوعية . وهذا التفسير ليس له مصداقية ،  وبخاصة أن رائفى بور ، قد حوّل   الهلوكوست العراقي   – الذي استعرضناه سابقاً –    ما يشبه الأيقونة التي يربطها بالزمان أو المكان وجعلها  مركز ما يسمى “التاريخ الثوري الإيراني” . و  محاولة بور تجذير  فكرة الحصار ، معتبراً أن  الشيعة عاشوا عبر تاريخهم مهمشين مستهدفين  ، معرضين دائماً لهجوم الغير” العرب السنة”  عليهم ، وقد أدى ذلك إلى تعزيز  استساغة الشاب الإيراني للقتل والوحشية ، وأصبح ذلك إشباعا لرغبة جارفة  مكبوتة لديهم للانتقام من الآخر الداعم للحصار الدولي بموجب القرارات الأممية التي صدرت عن مجلس الأمن ضد إيران  .

وبسبب هذا الهاجس الأمني وعقلية الحصار يؤكد  بور أن “إيران “  ستبقى دوماً  قلعة لا يمكن اختراقها ، و قوة لا تقهر ، قادرة على الدفاع عن نفسها وعلى البطش بأعدائها ، وأنها لن تسمح بتكرار هذا السيناريو مرة أخرى ،ولكنها مع هذا  ستبقى مهددة طيلة  الوقت من الأعداء في الداخل والخارج .

ونحن نرى أن كل هذه الأسباب قد تفسر دعم الدولة الإيرانية لرائفى بور لتعزيز  حدة الهاجس الأمني وعقلية المؤامرة الخارجية والحصار ، وسعيه لتجذير الهاجس الأمني الذي بات  حالة نفسية مرضية ، ولكنه في نهاية الأمر ثمرة إدراك عميق من جانب الساسة الإيرانيين لواقعهم السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي ” الإقليمي والدولي ”  .

فتعزيز بور للهاجس الأمني وعقلية الحصار يحددان كثيراً من جوانب السلوك “الإيراني”  الشخصي ،  الذي من خلاله يحاول  الداعية بور ترسيخ فكرة لطالما سعت لها الثورة الإيرانية ، ومفادها أن بقاء الإيراني مرتبط بثورته والحفاظ عليها أولاً ؛ وبسبب هذا الهاجس لابد من زيادة القوة العسكرية ،ودعم القدرات الردعية ،  والتفوق التكنولوجي  ، لا سيما في المجال النووي ، حتى ولو كان على حساب قوت يومه .

كذلك فإن تعزيز ورفع وتيرة الهاجس الأمني الذي يجهد الداعية بور لترسيخه ؛ سيسهم في دعم مشاريع الحرس الثوري الذي يقف أيضاً عقبة كأداء في المجال الاقتصادي ؛ إذ يضع “الإيرانيون” الاعتبارات الأمنية قبل اعتبارات الجدوى الاقتصادية ، ومن ثم فهو يعوق عمليات الخصخصة والاستثمار ، التي تتطلب جواً منفتحاً يسمح بتدفق رؤوس الأموال والخبرات والسلع ، وهو ما يحاول بور بثه في محاضراته من خلال التحذير من الغزو الثقافي وتضخيم أهدافه ونتائجه ،  ويركز بور على الحملة  الخارجية للتأمر على العملة الإيرانية ” التومان ” وأبعادها ، ومؤامرة الدولار ؛ مما يسهل إيجاد البيئة الخصبة لدى الشباب الإيراني لتقبل الأفكار والتخيلات التي تحاول الثورة الإيرانية غرسها .

السعودية  أحد محاور قوى  الشر التي تستهدف إيران وشعبها 

يركز   بور على  رسم صورة سوداء لعربستان ” السعودية ”  ؛ يتناول الحياة البدائية الخاصة بأطوار تشكل هذه الدولة من   “البدو  الهمج الذين ارتبطوا بعادات وقيم  الصحراء القاحلة فكرياً وأخلاقياً ،  وبات رمزهم الخيمة والجمل ”  ، ومحاولة اسقاط صفات  التخلف ، و عبادة  الأصنام ، و وأد  البنات ، و معاقرة  الخمر والميسر ، وقطع الطرق ، والدعارة ….. و كل ذلك يستعر مقاومتهم للدعوة النبوية ، وأنهم كانوا سبباً في هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بحكم الحكام الجهلة اللذين حكموا عربستان .

يحاول الداعية بور إسقاط التجربة التاريخية على واقع السعودية اليوم ، ويصف الحكم فيها بأنه بدوي عشائري متخلف  باحث عن الشهوات والملذات ، وأنه قد توسل بدين سلفي تكفيري جاهلي بث العنف والإرهاب في العالم ، ويدعو إلى ضرورة اعتبار عربستان أحد محاور قوى الشر التي تستهدف إيران وشعبها على الدوام ، مستعرضاً تجربة الحجاج الإيرانيين واستهدافهم الممنهج من جانب السلطات السعودية .

إلى جانب ذلك يعتبر السعودية طرفاً مهماً في حصار إيران وتجويع شعبها ، ويعرض لمخططها القاضي بخفض أسعار النفط لتدمير الاقتصاد الإيراني ، وتحالفها مع الغرب في سبيل تحقيق هذا المخطط  والهدف .

يعرض  الداعية  لمؤامرات السعودية   ضد الثورات والصحوة الإسلامية عبر تاريخها ، متهماً السعودية بأنها قد وقفت ضد القضية الفلسطينية من خلال وقوفها ضد حماس والجهاد الإسلامي ، وأنها قد دعمت التيارات العلمانية  المؤيدة للسلام مع إسرائيل بهدف تصفية القضية الفلسطينية.

يعرض بور لموقف السعودية من الصحوة الإسلامية ” الربيع العربي” ، ومواقف السعودية المضطربة منها ، وخشيتها من امتداد هذه الصحوة لها ، وانهيار نظامها السياسي البدوي .

يركز الداعية  بور على موضوع تدخل السعودية في اليمن ، ويتناول الحقب التاريخية التي مرت على اليمن والتي تظهر شجاعة اليمن وعدم خضوعها لسلطة الدولة العثمانية ، ويتناول الأسباب التي دعت السعودية للتدخل في اليمن والتي يجزم أنها لاحتلال اليمن وإبقائه تحت السلطة والزعامة  السعودية ، ويتناول التاريخ النضالي لشيعة اليمن ، ويطلق عليهم لقب الشعب الزيدي الشيعي ؛ في إشارة لخلق انطباع أن أغلب الشعب اليمني هو شيعي ، ويعرض للتشابه بين الثورتين الإسلامية والحوثية من حيث الأهداف والشعارات : الموت لأميركا ، اللعنة على اليهود ، ويحاول أن يربط بين المشروع العربي بقيادة السعودية  والغربي  للقضاء على الشيعة ، ويركز على خطورة المشروع الوهابي السلفي وتحالفه مع إسرائيل والغرب للقضاء على إيران ، والسعي لتأجيل ظهور إمام الزمان .

لا شك بأن  دخول الدعاة الإيرانيين الشباب  إلى ساحة الحرب الإعلامية  قد عزز تماما من خطاب الكراهية والطائفية، ، وتحول الصراع من النزاع بين الأنظمة ؛ بمعنى بين الحكومة الإيرانية والحكومات العربية ،إلى العداء بين الشعوب ، حيث تورط  الشباب وبات طرفاً مهماً في المواجهات والصراعات ، ومن حالة الاستقطاب الإعلامي والدعائي والسياسي الشعبي .

ومن اجل ذلك سيدفع الشعب الإيراني ثمنا باهظا لهذه الكراهية ، حيث سيساعد  ذلك على تعزيز ثقافة الحقد ، خدمة للصراعات السياسية والمذهبية والطائفية ، والانزلاق في مؤامرات الكراهية والتحريض على العنف ضد الأخر ” العربي ” .

المصدر:

د.نبيل العتوم                                           

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى