النخبة والساحة الأحوازية
التفاعل و الحراک الفکری و الثقافی الذی یجری فی مجتمع ما ، هو خیر دلیل و ترجمة ، لحیویة ذلک المجتمع . وکلّما کان ذلک التفاعل و الحراک محتدما و متنوعا و واسعا ، تکن النتیجة ، وهی رواج الحیویة والوعی و التقدم ، اوسع و ابلغ، لتشمل الاطیاف الاجتماعیة التی تشکل قاعدة المجتمع من حیث الترکیبة الاجتماعیة .
وبطبیعة الحال ، خلق و ایجاد هذا التفاعل والحراک ، یقع فی عاتق النخب و المثقفین و المتعلمین بالدرجة الاولی ومن ثمّه باقی الافراد . وذلک من خلال العمل التنظیمی و المؤسساتی المکلّل بالبرمجة والتخطیط والمنهجیة .
فمن هذا المنطلق اذا نظرنا الی واقع مجتمعنا المؤسف وتلمّسنا فیه عن التفاعل والنشاط المتواخّا ، لوجدناه مفقوداً او شبه مفقوداً و یحلّ محلّه تفاعل من نوع آخر لیس مرغوب فیه یصول ویجول ویمرح فی الساحة الأحوازیة . نعم هناک بین حین وآخر نتحسّسُ بإقامة عملا ومبادرة من قبل مؤسسة او مجموعة بشکل محدود وخاطف ، ولکن اَینَ هذا من عطش الساحة المتزاید وعوزها المفرط فی کل مجالاتها الفکریة والثقافیة و الاجتماعیة و … ؟؟ بل کل ما نراه هو انعداما و افتقارا لهکذا حیویة و فاعلیة فی مجتمع یحمل بداخله طاقات انسانیة و مادیة وقدرات و مواهب و مؤهلات هائلة ، تکفیه للنهوض و الحراک نحو مکانته الحقیقیة المفقودة التی علیه ان یبلغها .
مجتمعنا الاحوازی غنی و فقیر فی آن واحد . غنی بطاقاته الانسانیة و المعنویة من جهة ، و فقیر بإرادته و عمله و حراکه من جهة اخری .
مجتمعنا ، یفتقر الی عملیة تنمویة فی الکثیر من مجالاته و ابعاده . یفتقر الی العمل التنظیمی و المؤسساتی و الجماعی بشکل واسع و وفیر و متنوع و متزاید .
مجتمعنا لا یعانی من عدم وجود نخب او قلتهم ، بل یعانی من غیابهم عن الساحة و رکودهم و جمودهم .
مجتمعنا الأحوازی یعانی من نخبة تحمل معها صفتین متناقضتین فی معظم الاحیان ، اذ هی حاضرة فی الساحة وغائبة عنها فی آن واحد. حاضرة بجسمها و مخزونها الهائل من الطاقات و المؤهلات ولکن غائبة عنها بالارادة و العمل و التأثیر، لذا نراها کالعادة مفتعلة لا فاعلة. نخبة کثیرة و قلیلة فی آن واحد. نجدها کثیرة فی میادین الشعار و التمني و الانتقاد والجلد من جانب وقلیلة و شحیحة فی میادین الفعل و الاقدام والتطبیق من جانب آخر.
مجتمعنا الأحوازی ، یفتقر الی عمل طوعی و تبرّعی من قبل اهله . یفتقر الی عاملین حقیقین یعملون حسب القاعده التی حثّنا علیها خالقنا وهی « وقل اعملوا فسیری الله عملکم و رسوله و المؤمنون » ( التوبة ایة 105 ).
مجتمعنا ، یفتقر الی مثقف رسالی و مسؤول یمتلک عزیمة و إرادة ونیة خالصة وصادقة ، یخطو لخدمة شعبه و مجتمعه، ویطمح الی التقدم و الازدهار ، بروح الامل والتکابر و المثابرة ، لا تعرف للیأس محلاً ولا للقنوط موضعاً فی مسیرته الی ما یهدف .
ولکنه مبتلی بأناس لا یخطون خطوة فی سبیله و خدمته اِلّا و تقاضوا منه الاُجور و المکاسب و المناصب . لا یحرکون قدما لصالحه الّا و قدّموا مصالحهم الدانیة علی مصلحته التی هی مصلحتهم اولا و آخرا .
اذن کیف لنا ان نرجو لمجتمعنا الحیویة و الفاعلیة و الحراک الایجابی الذی لابد منه ، و هو یفتقر الی اهلٍ یؤثرون علی انفسهم مصلحته و مصیره ومستقبله ؟ کیف یجوز لنا ان نجلده جلداً مبرّحاً بقسوة و هو یعانی من شُحٍّ فی اهلٍ تعرفه حقّ المعرفة اولاً و تؤمن به و بمجده ثانیاً تعمل علی خروجه من الحالة السقیمة التی هو علیا الان ثالثاً ؟؟
نعم العمل . العمل علی صناعة الفکر و المعرفة و الثقافة ، العمل علی ترسیخ الوعی و بسطه فی کل مناحي المجتمع ، العمل علی زرع الثقة و انمائها، هو ضرورة ماسة و ملحة تطرق ابواب المثقفین و النخب و المتعلمین منذ امس البعید و حتی یومنا هذا .
و في الاخیر، متی ما رأینا أنّ النخب و المثقفین و المتعلمین ، خلّصوا انفسهم من الصفات المتناقضة التی تعتریهم اولاً و خرجوا من ساحات الشعار و التَّمنی ، ودخلوا الی ساحات العمل و الفعل والاقدام ثانیاً ، و اسّسوا للعمل التنظیمي و المؤسساتي والجماعي ثالثاً ، عند ذلک وبکل تأکید یفیق مجتمعنا من سباته و ینهض و یتحرک شیئا فشیئا نحو الخروج من سقمه ، ویبلغ مکانته العلیا التي تلیق به و هو اهل لها .
ابوبتول الساري
المصدر: موقع بروال
تنويه تم تغيير الاسم المزور لوطننا الى الاسم الصحيح وهو "الأحواز"