أبعاد معرض “الأحواز بوابة التشيع”
الأحوازيون وفي نضالهم المستمر منذ تسعة عقود يحاولون الوصول الى أهدافهم الوطنية بشتى الطرق منها تجربتهم العميقة في إطار العمل السياسي في حدود ايران السياسية وكان آخرها زمن خاتمي الذي وعد الشعوب بإعطائهم حقوقهم الثقافية و-لم يفعل-، مع العلم أن تطبيقات هذه الإستراتيجية المرحلية من قبل نخب الشعب الأحوازي كانت تنطلق من الإيمان الراسخ بأحقية القضية الأحوازية والتشدد على الجانب العروبي في كل المحافل والاحتفالات الوطنية التي شكلت أرضية صلبة تمنع القائمين على هذه المشاريع من الإنزلاق في مشاريع تخرج من إطارها الوطني العروبي. في مثل هذه الأوضاع المأساوية ومحاولات الأحوازيين لتوعية الأجيال المتعاقبة جاء المعرض الذي أقيم في الأحواز و كان من المفترض أن يكون اسمه (الأحواز بوابة التشيع) كسابقة خطيرة في عمل الداخل حيث أراد إعطاء شرعية لعمله من خلال تبني تاريخ وطننا بما لا يخالف الخط العام في مسارات السياسة الطائفية الإيرانية، هذا العمل يشكل نواة قناعة تريد بالفعل أن تُسرق كل ما بُني من تراث نضالي بجهد من الإنسان الأحوازي على مختلف انتماءاته السياسية ويتم هذا الاستهداف من قبل المتلبسين برداء حب الوطن، هنا وفي عجالة نلقي الضوء على أهم القضايا التي شكلت منطلقاً لنقد هذا المعرض شكلاً ومضموناً من قبل شرائح واسعة من شعبنا العربي الأحوازي .
أولاً: أتى هذا المعرض دعماً وترسيخاً للسياسية الإعلامية الإيرانية التي تؤكد على وحدة الصف الداخلي بين جميع المكونات التي تعيش في جغرافية أمر الواقع الإيراني بعد أن وضحت التقارير الصادرة عن لجان حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وذلك من خلال المقرر الأممي أحمد شهيد واشتون، هذه التقارير توضح بشكل صريح عن مدى خطورة الأوضاع في ايران من حيث الإعدامات والتعذيب والسجن، والقضايا المرتبطة بحقوق الشعوب غير الفارسية، خاصة التركيز انصب على الأحواز ومعاناة أهله من كافة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . فهل من أهداف هذا المعرض (المدعوم من قبل الاستخبارات) هو الحد من هذا الجرائم الواقعة على الإنسان الأحوازي؟ أم المنسقين لهذا المعرض لهم أجندات تصب في الإدعاء القائل بوحدة الصف “الشعب الإيراني”؟
ثانياً: إيران الجمهورية الإسلامية تحاول جاهدة وعبر مراكزدراساتها إشاعة إسلام حضاري -بزعمهم- يختلف عما أسماه سيد صادق الحسيني في برامج عين على ايران الذي بُث قبل سنوات على قناة الجزيرة “بالإسلام الوحشي الحجازي”، فكل الجهات التي تمثل الخط الطائفي تسعى في هذا الغرض منطلقة من مبدأ قومي فارسي مغطي بتشيع ايراني، فهل هذا المعرض يريد أيضاً مساعدة هذا التوجه ويزيده رونقاً؟ هذا المشروع يُفصل تلقائياً الأحواز عن عمقه العربي الإستراتيجي على أقل تقدير من جانبه الثقافي، ويضعف الانتماء إلى هذه الأمة وذلك من خلال التركيز على الجانب الطائفي في هذا المعرض.
ثالثاً : هذا المعرض هو تكملة لمشروع بما يسمى (الأهواز بوابة التشيع) الذي باسم عروبة هذا الوطن يريد أن يخدم الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة العربية، ولابد من التذكير أيضاً أن هذه المشاريع “شكلياً” تنقد الجانب المأساوي من السيطرة الفارسية على مقدرات هذا الشعب في حدود عدم ضرب الوحدة الترابية الإيرانية، فكل ما يأتي دون هذا الخطاب فهو مصرح به، والدليل على ذلك المحاضرات التي يلقيها بعض من هؤلاء القائمين على هذا المشروع في أكثر من مناسبة في الأحواز العاصمة.
رابعاً: المعرض قدم تاريخ هذا الوطن ولم ينصف الوجه المشرق لتاريخنا الحافل بالبطولات. فالقائمون على هذا المعرض تجنبوا الحديث عن شيخ سلمان الكعبي الذي هزم الفرس والاتراك و البرتغاليين في معارك متعددة، وأيضاً أهمل ملوك كُثر من المشعشعين الذين لم يحاربوا العثمانيين نصرة للصفويين، كما القضية الأهم التي شكلت تضاداً بائناً بين الدولة الإيرانية الحديثة و الأحوازيين وهي قضية شيخ خزعل التي شكلت أهم فترة تاريخة للشعب العربي الأحوازي. فهل القائمون على هذا المعرض نسوا هذه الفترات؟ أم أنهم يجهدون أنفسهم لمساعدة الجهة التعليمية على ترسيخ الإفراغ الحضاري والتاريخي للشعب العربي الأحوازي؟
خامساً: الحرب القائمة في العراق وسورية، والمد الإيراني في لبنان والخليج العربي واليمن كله يتركز على تطبيق جيوبولتيك التشيع المنطلق من مبدأ ولاية الفقيه، يأتي هذا التوسع الإيراني من خلال العمل المباشر للحرس الثوري وجيش القدس الذي يعمل تحت إمرة قاسم سليماني لضرب البنية المجتمعية في سورية والعراق خاصة، وهذا التوسع لا يرحم حتي الشيعة العرب الذين يقفون أمام هذا المد فخير دليل محارية المليشيات الشيعية المرجع الصرخي في العراق والملفات ملئُ بالقتل والتشريد لأولئك الذين يخالفون هذا الاحتلال الايراني لبلدانهم، في هذه الأجواء الموبوءة بالشحن الطائفي الذي يأخذ سمة التطرف و ردود الفعل الخارجة عن السيطرة لكلا الطرفين، يأتي هذا المعرض ليخدم المشروع الطائفي في المنطقة العربية من خلال تركيزها على الجانب المذهبي الذي انطلق من مبدأ قوامه إزاحة صفة الوهابية عن الشعب العربي الأحوازي إرضاءً للسطة الحاكمة (المقصود هنا السنة).
ختاماً: فالشعب العربي الأحوازي في كفاحه المستمر الهادف استرداد حقه المغتصب وذلك عبر قناعات تختلف تطبيقاتها على أرض الواقع حسب الحالة او الواقع الذي يعيشه الشعب ونخبه. وإذا ما أردنا الابتعاد عن لغة التخوين، نرى أن الشباب الذين شاركوا في هذا المعرض، ليس الكل متورط في قضايا تخدم النظام الحاكم بل شاركوا إيماناً منهم بقضيتهم ليستفيدوا من كل الظروف لصالح قضيتهم وهذه المشاركة تأتي من باب توعية الجماهير. وإذا كان العمل من هذا الباب فإنه يأتي في صياغات العمل السياسي الذي لا صديقاً دائماً فيه ولا عدواً دائماً، لكن الاختلاف يكمن في مرامي هذه الأعمال المكشوفة، وشخوص هذا العمل، والرأس المدبر، وطبيعة العمل الموافق للحالة الطائفية التي تقتل وتشرد الشيعي العربي المحب لوطنه قبل السني. كل هذه الأمور جعلت عمل هذا المعرض يصب في مصحلة نظام الملالي ولا يكسب فخراً ولا اعتزازاً حتى على مستوى العمل الثقافي في الداخل .
أحمد التميمي
مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث