آراء ومقالات

القبول الأمريكي لتسمية الخليج بـ(الفارسي)  

إذا بحثت في الخليج العربي المتنازع عليه ستجد أن هذا الطريق المائي تسمّى بأكثر من تسمية عبر التاريخ، لدرجة لا يمكن الجزم بتسميته، الا عن طريق استفتاء رسمي أو قراءة القرائن أو المشاهد الطبيعية من حوله أو الوقائع والحقائق الحاضرة التي تعكس التاريخ مثل الديمغرافية. فاسمه عبر التاريخ ضم “بحر أرض الإله”، و”الشروق الكبير”، و”بحر بلاد الكلدان”، و”بحر الجنوب”، و”البحر السفلي” و”البحر المر” إلى جانب ما ذكرته من تسميات حديثة تشمل “خليج البصرة”، و”خليج عمان”، و”خليج البحرين”، و”خليج القطيف” بالإضافة الى تسميته “بالفارسي”. كما أننا نلاحظ أن المؤرخ الروماني بليني استخدم في القرن الأول للميلاد مصطلح “الخليج العربي”، وذلك في وصفه لمدينة خاراكس (أو مدينة المحمرة في الاحواز العربية)، وقال بليني بالنص: “خاراكس مدينة تقع في الطرف الأقصى من الخليج العربي”.

تزعم إيران أن سواحل الخليج العربي الغربية كانت مستعمرات تابعة لمملكة الفرس قبل الإسلام، كما أنها تعتبر التسمية” الفارسية” هي الوحيدة التي أطلقت على الخليج، وتنكر وجود أي اسم آخر لهذا المسطح المائي غير تسمية “الخليج الفارسي”. وعلى إثر هذه العقلية تمكن رضا شاه في عام 1925 ميلادية وبمساعدة الإنكليز من الوصول إلى السلطة ثم احتلال أرض العرب على طول الساحل الشرقي للخليج العربي، ثم أوصى رضا خان ابنه محمد رضا بهلوي باحتلال الجزء الغربي من الخليج العربي، وهذا الأمر فعلا كان من أولويات محمد رضا بهلوي. وهو أول من أطلق تسمية الخليج الفارسي بدل تسمية الخليج العربي، ومن جانب مركز القوة العسكرية الفارسية ليقنع العالم والمنظمات الدولية بـ”فرسنة الخليج” وللوصول الى مبتغاه واستطاع أن يرسخ اسم الخليج الفارسي بدلاً من الخليج العربي.

يعتبر محمد رضا شاه أوَّل مَنْ أثار الخلاف على تسمية الخليج العربي وأصرَّ على تسميته زوراً وقهراً، وذلك في أعقاب إعلان وزراء الإعلام في دول الخليج في أواسط السبعينيات عن تأسيس “وكالة أنباء الخليج العربي”، ما أثار عنصرية الشاه ,وقرر سحب جميع سفرائه من دول الخليج. وكان اللافت آنذاك مسارعة وزراء الإعلام في دول الخليج العربي إلى عقد جلسة طارئة حذفوا خلالها كلمة “العربي” من اسم الوكالة. (حسین أحمد صبرا)

يرى الكاتب الفرنسي”ميشال فوشي” في كتابه “تخوم وحدود” أن الخليج الذي سمي الخليج الفارسي بسبب النفوذ القوي والتاريخي لإيران، وجد دعماً من الاستراتيجية الأميركية في زمن شاه إيران والقائمة على دعم الشاه وجيشه لتحقيق الأمن الإقليمي في حماية النفط. وكان شاه إيران تربطه بأمريكا تسعمائة معاهدة وميثاق وصفقات أسلحة وعتاد وخبراء ومستشارين، وعلى إثر ذلك فرضت أمريكا تسمية الخليج الفارسي على الأمم المتحدة لاستمالة شاه إيران بهلوي، ليصبح شرطي الخليج، ويهدد دول الخليج العربي لترتمي بنفسها إلى الجانب الأمريكي طلبا للحماية والانتفاع من ثرواتها. والدليل على ذلك إصدار قرارين في عهد محمد رضا شاه في الأمم المتحدة وبدعم أمريكي زاعماً أن هذا التنديد جاء للتصدي لتزوير تسمية الخليج من قبل دول العرب. ويؤكد ذلك نبيل خليفة، كاتب لبناني في الشؤون الاستراتيجية، في صحيفة دار الحياة في 14 اغسطس 2005 : “ليس الخلاف بين العرب والإيرانيين مجرد خلاف لفظي – اسمي. وإنما هو خلاف يعكس صراعاً سياسياً وقومياً ذا أبعاد ومضامين استراتيجية، خلاصتها من له الهيمنة على الخليج، على مياهه وجزره ونفطه ومواقعه الاستراتيجية وأمنه وثرواته”.

بينما كان يستخدم محمد رضا البهلوي الخطاب الاستعلائي المتغطرس للإصرار على اطلاق تسمية “الفارسي “بعد الخليج، تلته الحكومة الخمينية المعادية للعرب بالأفكار نفسها، حيث طرحت طيلة ثلاثة عقود قضية تسمية “الخليج” في مقدمة أجندتها السياسية، وتعتبرها قضية قومية تتفانى في الذود عنها بكل قواها، بل استخدمت أساليب استفزازية متعددة لتوقيع العقوبات على كل من يستخدم مصطلح “الخليج العربي” بدلا من “الخليج الفارسي”.

إذن يمكن القول أنه جاء النظام الخميني على انقاض النظام البهلوي حيث رغم أن نظام الخميني أسقط الكثير من سياسات الشاه، لكن لازال يتمسك بتسمية الخليج العربي باسم زائف. ويتخذ سياسة التوسع في جانب الغربي للخليج. وبتبع هذه السياسة التوسعية صرّح الجنرال حسن فيروز آبادي، رئيس أركان الجيش الإيراني، رداً على تسمية الخليج العربي مؤرخة 30 ابريل 2011، ووصف دول العربية بـ”جبهة الديكتاتوريات العربية” في الخليج، زاعماً أن هذه المنطقة “كانت دائماً ملك إيران”، وشدد في بيانه على أن “الخليج الفارسي انتمى وينتمي وسينتمي دائماً لإيران”. وبتبع ذلك أعلنت إيران يوم 30 ابريل/ نيسان بـ”اليوم الوطني للخليج الفارسي”.

وأما من جانب اخر نحن العرب أحيانا نتناسى تسميات كانت من حضارتنا وهويتنا كما قبلنا أن يتحول «الوطن العربي» إلى “الشرق الأوسط” أو الشرق الأوسط الكبير أحيانا، وتسللت إلى خرائطنا وقواميسنا الدارجة “إسرائيل” و”إيران”، واختفت “فلسطين” و”الجزر الإماراتية الثلاث” وكيانها وحضارتها و”الأحواز” وممن يعيش على ضفتي الشرقية للخليج العربي. والرغم من أن التسمية لم تحسم إلا أن العرب تستعمل التسمية الفارسية أو في أحسن أحوالها “الخليج” فحسب! ونلاحظ تصريحا لسفير الكويت في إيران في فبراير 2010 حيث قال: ” إن التسمية حول الخليج ليست موطن خلاف، وأن تسميته بالخليج العربي تمت تحت ظرف سياسي معين وأن اسمه سيظل الخليج الفارسي”.

والمسألة المثيرة الاخرى، دعوة إيران إلى جلسة دول مجلس التعاون، حيث عندما دعت قطر الرئيس الايراني السابق أحمدي نجاد لحضور القمة الخليجية في الدوحة أصر أن يضمن بيانه القول أنها المرة الاولى التي تدعى فيها إيران لحضور قمة دول الخليج الفارسي.. وكرر “الخليج الفارسي” 4 مرات في بيانه. وفيما يخض وجه تسمية مجلس التعاون الخليجي، ليس سرا أن العرب قد راعوا الحساسية الإيرانية عند إنشاء “مجلس التعاون الخليجي” في العام 1981 ,ولم تتم تسميته بمجلس التعاون الخليجي العربي ، وإنما اكتفوا بتسميته مجلس التعاون الخليجي للدول العربية.(جريدة الدستور ، 5 مي 2010)

هذا ويعتبر مصطلح “الخليج العربي” تاريخي وقديم، وأنه مبرر لأن أكثر من ثلثي سواحل الخليج تقع في بلدان عربية، إضافة إلى الأحواز (عرب الساحل الشرقي). وفيما يتعلق بالمناطق العربية على الساحل الشرقي للخليج العربي فقد احتلتها إيران بمساعدة بريطانية لإبعاد العرب وطردهم من الساحل، ثم كثفت الهجرة الفارسية إلى “الساحل الغربي” للخليج العربي كجزء من سياسة تفريسه التي بدأها وعمل على تنفيذها شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوي، ثم أصدرت إيران طلبات إلى الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى توصي بتسمية “الفارسي” بعد الخليج، مع أن الأحقية التاريخية والطبيعية لازالت هي لتسميته بالخليج العربي.

أما بالنسبة للساحل الشرقي وعلى مساحة 210 ألف كيلو متراً لازالت توجد قبائل وأسر عربية كانت قد انشئت وأقيمت دول وإمارات طيلة القرون المتمادية منها في شمال الأحواز، إمارة بني أسد،  إمارة بني تميم، إمارة المشعشعين والتي قارعت الحكومة الصفوية، وإمارة كعب آل بوناصر، إمارة آل كثير، إمارة كعب آل بوكاسب، وفي جنوب الأحواز وعلى طول الساحل الشرقي للخليج العربي (عرب الحولة) أقيمت حكومات منها، سلطنة هرمز العربية، مملكة قيس العربية، إمارة بني العباس، إمارة القواسم، إمارة آل حرم، إمارة النصوريين (بني خالد)، إمارة آل مرزوق، إمارة المعلي، إمارة بني حماد ، إمارة العبادلة، إمارة أل بشر، إمارة بني معين، إمارة آل مذخور، إمارة آل زعابي (بني مصعب) وإمارة المدنيين ,وبالتالي فمن الأولى تسمية الخليج وفق الشعب الذي يعيش حوله. كما تبين خارطة الشعوب في جغرافية إيران أن جميع سواحل الخليج العربي الجنوبية والغربية تخلو من الفرس وحتى يومنا هذا، لم تسكن الفرس ساحل الخليج العربي. لذلك يقول الشيخ بكر ابو زيد في كتابه “معجم المناهي اللفظية”: “الخليج الفارسي: هذه التسمية الباطلة تاريخاً وواقعاً من شعوبية فارس. فكيف يكون الخليج الفارسي وكل ما يحيط به أرض عربية من لحمة جزيرة العرب وسكان عرب خلص؟ فلنقل: الخليج العربي”.

شهادة المستشرقين

فالمؤرخ الانجليزي “رودريك أوين” في كتابه “الفقاعة الذهبية” يذكر أنه زار الخليج وشاهد معظم سكانه عرباً. وأكد الكاتب الفرنسي “جان جاك بيربي” في كتابه على “عروبة الخليج”. ومن جانب آخر قال المؤرخ الألماني “كارستين نيبور” 1762م : شاهدت القبائل العربية حول الخليج ومن المضحك أن يصور جغرافيونا جزءا من بلاد العرب كأنه تابع وخاضع لحكم ملوك فارس”. بينما دحض “اجون بيير فينون” أستاذ الحضارات الشرقية في باريس في “الليموند” مزاعم الإيرانيين وذكر أن التسمية الفارسية ابتداع من الدول الاستعمارية.

كما كتب جون بيير فينون أستاذ المعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية في باريس في كانون الثاني 1990 دراسة في مجلة اللوموند الفرنسية حول الخليج تؤكد تسميه الخليج بالعربي. فقامت السفارة الإيرانية بالاحتجاج. وكتبت رداً على بيير. فرد هو أيضاً رداً مدعماً بالحجج العلمية، وقدم خارطة لوكانور التي يرجع تاريخها إلى نهاية القرن السادس عشر والتي تحمل التسمية اللاتينية سينوس ارابيكوس أي “البحر العربي”، وقال: “لقد عثرت على أكثر من وثيقة وخارطة في المكتبة الوطنية في باريس تثبت بصورة قاطعة تسمية الخليج العربي، وجميعها تعارض وجهة النظر الإيرانية”.

وأكد الكاتب وجهة نظره فيما تضمنته خارطة جوهين سبيد التي نشرت عام 1956 تحت اسم الإمبراطورية التركية حيث ورد في الخريطة تسمية “بحر القطيف” ثم “الخليج العربي”. وقد دحض جون بيير مزاعم الإيرانيين، وأكد أن تسمية “الخليج الفارسي” الشائعة حديثاً بين الجغرافيين الأوربيين جاءت نتيجة توجه سبق، وابتدعته الدول الاستعمارية خاصة إيطاليا.

يقول الباحث د. إبراهيم خلف العبيدي: “بدأت الدراسات العلمية الحديثة تؤكد أن تسمية الخليج العربي بالفارسي لا تمت للواقع بشئ. إذ إنه عربي منذ عصور ما قبل التاريخ. وأن سيطرة إيران عليه في فترات محدودة، لا يعد دليلاً على أنه فارسي. فضلاً عن ذلك فإن القبائل العربية هي ساكنه جانبي الخليج منذ القدم. ولا تزال القبائل تسكن في الساحل الشرقي الذي تحتله إيران، على الرغم من سياسية التفريس التي تتبعها إيران لمسخ هويتهم القومية”.

هذا بالإضافة إلى أنه منذ 27 ديسمبر 1936م، لم تعد تسمية “بلاد فارس” موجودة سوى في السجلات التاريخية بعدما أصدر رضا شاه بهلوي مرسوماً قضى بتغيير اسم بلاد فارس إلى “إيران”. وبما أن حاكم بلاد فارس اتّخذ قراره في هذا الشأن، فإن أيّ إشارة إلى تسمية “الفارسي” بعد الخليج، في الزمن المعاصر تُعتبَر غير منطقية مع العلم أن الفرس هم أحد المجموعات العرقية التي تسكن إيران، ولن تشكل أكثر من 25 بالمئة من إجمالي الشعوب في هذه الجغرافية بالإضافة إلى الأتراك الآذريين والأكراد والبلوش والتركمان والعرب.

المصدر : موقع المثقف الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى