آراء ومقالات

في ذكرى استشهاد شباب الملاشية

سلسلة مذكرات الاسير السابق غازي مزهر، رقم ١١

مقتطفات من مذكراتي في السجن

بداية عام ٢٠١١ كنت في سجن شيبان في الأحواز، عُلمت بإعتقال مجموعة من شباب الملاشيّة وعند نقلنا مجدداً إلى قسم 3 في سجن كارون والمخصّص لمتهمي القتل والجريمة، تعرّفت على هؤلاء الشباب وهم علي بن قاضي شرفي (نعامي) مواليد ١٩٨٦ اعزب و طه (علي) حيدريان موالید ١٩٨٤ متزوج و له طفلين وعباس (جاسم) حيدريان مواليد ١٩٨٦ متزوج و له طفلة   وعبد الرحمن (ناصر) حيدريان مواليد ١٩٩٠ اعزب ، هؤلاء الاخوة الثلاث كانوا أولاد كريم (طعمة) صالح الماضي الحيدري وعباس بن عبدالحسن الحيدري وامين (أمير) المعاوي .

طبعاً لم أرى أو أعرف أي منهم قبل السجن ولكن قالوا بأنهم قد سمعوا عن إعتقالي من أقاربهم. كان والدهم متوفي و”جليل” هو الشقيق الأكبر للإخوة “حيدريان” يتابع ملفهم في المحاكم كما كان يتابع ملف صديقهم “علي شرفي” الذي كان والده متوفي هو الآخر، وكنت أسمع منهم ذكر إسم “جليل” دون أن أراه أو أعرفه.

وفي فبراير سنة ٢٠١٢ و خلال  إحدى المقابلات مع أسر السجناء، طلب مني أحدهم الحديث مع جليل، وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي التقيت فيها بجليل، وبما كنا قد تعارفنا من خلال أقاربه و إخوته في السجن ، دخلت معه في صلب الموضوع مباشرة وحثيته على توكيل محامي مخضرم من طهران أو من الأحواز العاصمة، وذلك عوضاً عن محامي آخر لا يمتلك الخبرة والكفاءة، كما نقلت إليه تجربة أسر الشهداء وكيفيّة تعامل الإستخبارات معهم، حيث كانت تمنحهم الأمل لآخر لحظة، حتى يتم تنفيذ حكم الإعدام دون مقاومة أو تحرّك يذكر من قبل الأهل، أملاً بوعود الاستخبارات الكاذبة.

ولكن جليل فاجئني بخبر محزن ومفاده هو أنّ حكم الإعدام قد صدر على أشقائه الثلاث وكذلك علي شرفي (نعامي) منذ ٦ أشهر، أمّا امين (أمير) المعاوي فحكم عليه بالسجن في المنفى ٣٥ سنة و حالياً في سجن مدينة بابل في شمال ايران ، وعباس الحيدري ١٨ سنة سجن في المنفى حالياً في سجن مدينة ساري في شمال ايران، وتمت مصادقة الحكم من قبل الديوان في طهران، وصدر الحكم النهائي في تنفيذ الإعدام، إلّا أنّه لم يخبر أحداً من أهله وأقاربه ولا حتى أشقائه المحكوم عليهم بالإعدام.

كان هذا الخبر كالصاعقة التي أصابت رأسي، أربعة شباب من مواليد ١٩٨٤ إلى ١٩٩٠ وطه وعباس متزوجان ولهم أطفال رضّع، فيا ربّاه، كيف لي إطلاعهم بهذا الخبر الصاعقة؟ عدت إلى القسم وقد اجتمعت كل هموم الدنيا فوق رأسي، لم أتمكن من تناول وجبة الغداء ولا العشاء، وقضيت وقتي أتمشى وحدي إلى أن تجاوزت الساعة الواحدة بعد منتصف اليل، عندها جاءني عبد الرحمن وعلي قاضي يسألون عن همّي وكيف إني تجاوزت موعد النوم حيث جرت العادة بأني أنام عند الساعة ٢٣:٠٠ ليلاً واستفيق عند الفجر.

سألت عبد الرحمن وعلي قاضي، هل طه وعباس نائمون؟ فقالوا هم متسطحين على فراشهم ولكنهما فائقان. فقلت لهم ادعياهم لنجتمع معاً، وعندما جاءا ورأيت النعاس في عيونهم، طلبت منهم غسل وجوههم أو الوضوء وبعدها جلسنا في نهاية ممرّ قسم ٨ حيث يتصل بغرف ٣ و٤ و٦، وقلت لهم لدي خبر وعليكم بالصبر والتوكل على الله.

وبعد إبلاغهم الخبر، أوّل من تحدّث هو عبد الرحمن من مواليد ١٩٩٠ و كان آنذاك لم يتجاوز عمره ٢١ سنة ، فقال: “ما زلت شاباً ولم أفعل شيئاً كما لم أرى شيء من الدنيا، أهكذا تنتهي حياتي”؟ أمّا علي شرفي ( نعامي) فتذكّر والدته وحبيبته في الملاشيّة حيث كان قد طلب يدها من أهلها وهو في السجن، على أمل الإفراج عنه بسرعة ليتزوّجها، وفي هذه الأثناء قال طه: “هل سوف أعدم قبل سماع صوت طفلي حسين الرضيع ليناديني بابا”؟ أما جاسم فكان يعشق زوجته وطفلته الرضيعة حوراء غرق في أفكاره دون أن ينطق بكلمة.

لم تمضي ثلاثة أشهر وفي تاريخ ٢٠١٢/٠٦/٠٩ دخلت العشرات من دوريات الشرطة والأمن في ساحة السجن، حينها وعلى غير عادتي كنت أمزح واتصارع مع “علي قاضي الشرفي” وسط غرفة ٤، وفي هذه الأثناء دخل “أحمد آزاده” المدیر الداخلي للسجن وقال له حضّر نفسك للرحيل، وعرفنا أنها النهاية، فودعناهم بالتكبير والأهازيج، فغادروا وهُم يردّدون ما نردّد من هتافات.

غادر أربعة من خيرة أبناء الأحواز دون عودة، وقدّر لي بأن أشهد وللمرة الأولى على الإختفاء القسري دون أي دليل مادّي يثبت ما يستدعي إعدامهم.

الخبر الدقيق الوحيد الذي وصلني عنهم عن طريق ” مجيد درّي ” سجين سياسي فارسي من حركة الخضراء ( جنبش سبز)  الذي كان في سجن مدينة ارجان ( بهبهان) في تلك الفترة و انتقل إلى سجن كارون و قال عندما كان في سجن ارجان (بهبهان) تم اعدام أربعة شباب عرب سياسيين.

الاسير المحرر غازي مزهر

 

المصدر : مركز دراسات دورانتاش

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى