أيها المصريون: ماذا تعرفون عن الأحواز؟
انعقد فى العاصمة الدنماركية، كوبنهاجن، فى الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر 2015، مؤتمر للحركة الوطنية العربية لتحرير الأحواز . وقد دعانى المنظمون للمشاركة فى ذلك المؤتمر، والذى اتضح أنه المؤتمر السنوى الثالث.
وتساءلت قبل مُغادرة القاهرة عما يعرفه المصريون (90 مليونا) عن أرض الأحواز، التى هى أرض عربية يسكنها حوالى عشرة ملايين عربى أحوازى، وتقع فى جنوب غرب إيران ، حيث سلّمتها بريطانيا، التى كانت تحتلها أسوة ببقية بُلدان (مشيخات) الخليج، إلى الدولة الصفوية الإيرانية عام 1920، وأسوة بما فعلته فرنسا بالسماح لتركيا بإقليم الإسكندرونة، فى شمال شرق سوريا.
نعم كانت تلكم هى المُمارسات الاستعمارية بعد الحرب العالمية الأولى، والتى عرفناها تحت أسماء وعد بلفور بفلسطين للحركة الصهيونية، وسايكس ـ بيكو بين بريطانيا وفرنسا لاقتسام الأراضى العربية فى المشرق العربى. ولكن كُتب التاريخ المدرسية العربية أهملت الإشارة إلى هذا الإقليم العربى فى أقصى المشرق العربى، والذى هو أغنى الأقاليم التى احتلتها إيران من عشرينيات القرن العشرين، بعد أن أعدمت آخر شيخ عربى كان يحكمه، وهو الشيخ عبد الله خزعل.
وكم كان مؤثراً أن يستمع مائة مثقف وناشط حقوقى عربى إلى استغاثات وعتابات الإخوة الأحوازيين، وكذا تحذيراتهم من المخططات الإيرانية الفارسية للهيمنة على بُلدان الجوار العربية. فإيران قد هيمنت فى السنوات العشر الأخيرة على أربعة بُلدان عربية ـ هى العِراق، وسوريا، ولبنان، واليمن. وها هى تحاول أن تخترق السعودية من خلال أبناء الطائفة الشيعية، التى تتركز فى المنطقة الشرقية (الظهران)، وكذا من خلال الحوثيين فى اليمن. وهى بذلك تُحكِم الحِصار على السعودية من الشرق والشمال الشرقى (سوريا والعِراق) والجنوب الغربى (تهامة) من خلال الحوثيين فى اليمن.
وقد أعلمنا الإخوة الأحوازيون بما يُحيط بعرب الأحواز من اضطهاد وتنكيل على أيدى السُلطات الإيرانية، وأن تلك المُمارسات قد بدأت فى العهد الإمبراطورى البهلوى، واستمرت بعد الثورة الإسلامية (1979) فى عهود آيات الله من الخومينى إلى خامنئى.
من ذلك أنه غير مسموح لهم أن يسموا مواليدهم بأسماء عربية سُنّية ـ مثل أبوبكر وعُمر وعثمان ومُعاوية. وكذلك غير مسموح لهم أن يتعلموا اللغة العربية، لا فى المدارس الحكومية الفارسية، ولا حتى فى مدارسهم الخاصة. كما أنه غير مسموح لعرب الأحواز أن يتواصلوا مع إخوانهم وأبناء عمومتهم على الشاطئ الآخر من الخليج (العِراق والكويت، وقطر والإمارات). وإذا تواصلوا مع إخوانهم فى البحرين، فإن الاتهامات تُلاحقهم بأنهم يتآمرون على أمن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ولذلك لم يكن مستغرباً أن يكون الأحوازيون الذين هربوا إلى أوروبا، هم الذين لديهم حُرية الحركة، وخاصة بعد أن منحتهم البُلدان الإسكندنافية حق اللجوء ثم التجنس بجنسيات الدنمارك والسويد والنرويج وفنلندا. وهم الذين أسّسوا الحركة الوطنية العربية لتحرير الأحواز. وهم الذين نظّموا، للسنة الثالثة على التوالى، المؤتمر الذى شاركت فيه مع مائة عربى من شتى أقطارنا العربية، فى العاصمة الدنماركية.
تعلمنا أيضاً أن العُنصر الفارسى فى إيران لا تتجاوز نسبته ثلاثين فى المائة من إجمالى السُكان، بينما البقية، أى سبعون بالمائة، هم من العرب والأتراك والبلوش والإزايديون (نسبة إلى أذربيجان). ولكن رغم أن الفُرس، عِرقاً وثقافة، هم أنفسهم أقلية عددية، إلا أنها أقلية مُتسلطة استعلائية، استطاعت أن تُهيمن على مُقدرات إيران السياسية والثقافية والاقتصادية، وتُمارس على الأغلبية سياسة «فرق تسُد».
بين الآهات والدموع الأحوازية تحدث المدعوون من الجزائر وفلسطين، وأكدوا أن ما سمعوه من إخوانهم الأحوازيين هو مثل رجع الصدى، حرّك عليهم مواجع ذكرياتهم التاريخية الأليمة لما فعله الفرنسيون من مُحاولة طمس عروبة الجزائر، بعد أن أخضعوها لاحتلالهم بين عامى 1830 و1954. وكذلك الحركة الصهيونية، التى استوطنت أرض فلسطين فى أواخر القرن التاسع عشر، ثم زادت الوتيرة بعد وعد بلفور البريطانى لهم سنة 1917.
وقد أدهشنى انتشار وعُمق المشاعر العدائية لإيران، حتى إن معظم المائة مُشارك عربى فى مؤتمر كوبنهاجن، اعتبروا إيران هى العدو رقم واحد للأمة العربية، وتواصوا بدعم نضال الشعب العربى فى الأحواز، والمُساهمة فى تعريف الرأى العام فى بُلدانهم بعدالة القضية الأحوازية، ودعوة كل من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامى بمنح الحركة الوطنية لتحرير الأحواز عضوية كاملة، أو على الأقل عضوية مُراقب، أسوة بمنظمة التحرير الفسلطينية. وكذلك ارتفعت أصوات فى مؤتمر كوبنهاجن تُحيّى وتُبارك عاصفة الحزم التى تقودها المملكة العربية السعودية فى اليمن، لإنقاذه من السقوط فى الهيمنة الإيرانية. لقد كانت حقاً رحلة كوبنهاجن وجبة ثقافية سياسية تواصلت وتعلمت فيها ما لم أكن أعلمه عن شعبنا العربى فى الأحواز.
وعلى الله قصد السبيل.
سعد الدين إبراهيم
المصدر: صحيفة المصري اليوم