آراء ومقالات

إلى أين تتجه قطر في تقاربها الجديد مع إيران؟


 

 

تداولت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة العلاقات القطرية
الإيرانية، كاقتراح قطر لمساعدة إيران في عمليات استخراج الغاز من حقل الشمال.
وأنباء أيضاً عن قرب إجراء مناورات مشتركة بين قطر وإيران. وهذا تغير واضح في
سياسة البلدين تجاه بعضهما البعض، قد تكون أسبابه غير معلومة لمن أهمل تاريخ إيران
الخاص بتعاطيها مع المنطقة العربية وبالأخص منطقة الخليج العربي، أو لمن أصيب منا
بالزهايمر، وهو مرض معروف أبعده الله عنا جميعاً، إذ ينسى المصاب به متى أكل آخر
وجبة طعام، وما هو اسمه أو اسم أبيه، ولا يتعرف حتى على من هم أقرب الناس إليه.

 

لو رجعنا إلى جميع المناورات المشتركة التي تجري بين الدول سنجد
أنها لا تجري إلا بين الدول المتحالفة أو تلك التي بينها صداقة وثيقة واستراتيجية،
أو بين الدول التي بصدد بناء علاقات بينية جيدة، أو بهدف كسب الخبرات العسكرية من
بعضها البعض. وكل هذه الأمور ليست متوفرة فيما يخص المناورات المتوقع إجراؤهابين
إيران وقطر. فكيف لإيران أن تكون بحاجة إلى كسب الخبرات العسكرية من قطر وهي التي
تعتبر نفسها قوة إقليمية كبرى وتتمتع بقدرات تصنيعية لا يستهان بها. ولا يوجد
أيضاً تحالف معلن لحد الآن بين قطر وإيران قد يكون ألزمهما على إجراء مثل هذه
المناورات. كما أننا من خلال متابعة تصريحات المسؤولين الإيرانيين لا نرى مؤشراً
على وجود نية لدى إيران لتحسين علاقاتها مع الدول العربية المجاورة، خاصة وهي تتهم
الدول الخليجية في دعم وتمويل الإرهاب كما تصفه في سوريا، وتحاول جاهدة إلصاق تهمة
الإرهاب بكل من يساند الشعب السوري في ثورته. والتعارض واضح في مواقف الدولتين
تجاه الحرب الدائرة في سوريا، وتتهم إيران ومعها حزب الله والنظام السوري قطر
والسعودية باستمرار بمساعدة الإرهابيين هناك كما تسميهم.

 

بالطبع هذا التقارب الجديد المفاجئ بين الدولتين لا يمكن النظر
إليه بمعزل عن الأحداث الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة إذا أخذنا بعين
الاعتبار المحاولات الأخيرة لدول مجلس التعاون الخليجية من أجل تشكيل قوة عسكرية
مشتركة وإصرار المملكة العربية السعودية على تشكيل هذه القوة التي من المتوقع أن
تلعب دوراً مهماً في حفظ أمن واستقرار كافة دول مجلس التعاون الخليجية في الفترة
المقبلة إن تم تشكيلها بنجاح ودون عراقيل.

 

وفي ظل التوتر المتزايد بين دول مجلس التعاون الخليجية خاصة
السعودية وإيران جراء تدخل الأخيرة في شؤون الدول العربية مثل سوريا، وتجييشها
الطائفي خلال الأزمة هناك ومساهمتها في تأجيج النفس الطائفي في لبنان وتدخلها
الواضح في البحرين، وإثارتها الفتنة الطائفية في اليمن، يعتبر تحرك قطر تجاه إيران
كمن يسبح عكس التيار.

 

لكن هنالك من يعتقد أن مقترح قطر حول مساعدتها لإيران في عمليات
استخراج الغاز لم يأت بمبادرة قطرية، بل جاء بطلب من إيران نفسها وهي تقصد بذلك
عزل قطر عن محيطها الخليجي وإبعادها عن السعودية بالذات في المرحلة الراهنة، إذ
بإمكان إيران الاستفادة من حلفائها مثل روسيا والصين وهم أكثر الدول خبرة في مجال
استخراج الغاز.

 

وربما يعتقد القطريون أنه من الحكمة أن يتقربوا إلى إيران كي
يستطيعوا السيطرة على الكميات التي ستستخرج عبر مشاركتهم مع إيران على أقل تقدير،
أو ربما قد يستطيعون الاطلاع عليها عن قرب، خاصة إذا علمنا أن حقل الشمال هو حقل
مشترك بين قطر وإيران ويلزم كل طرف مراعاة مصالح الطرف الآخر حين الاستخراج. لكن
هذه الحكمة القطرية المفترضة سرعان ما ستصطدم بالواقع المعاكس لها تماماً. فالسجل
الإيراني فيما يتعلق بالمعاهدات والتحالفات سيء جداً وهو مليء بالخروقات والمماطلة
والغدر، ولا يجوز التعامل معها على نفس الطريقة التي يتم التعامل بها مع الدول
الأخرى.

 

قبل عدة أعوام فقط أي في عام 2001 وقعت شركة الهلال للبترول
الإماراتية عقداً مع إيران مدته 25 عاماً لنقل الغاز من إيران إلى الإمارات
العربية المتحدة. وتم العمل في المشروع وبعدها بفترة وجيزة وبسبب الارتفاع المفاجئ
لسعر النفط في السوق العالمية الذي وضع كأساس لسعر الغاز في العقد، نقضت إيران
العقد مع شركة الهلال للبترول الإماراتية وبقي المشروع معطلاً إلى يومنا هذا،
وهناك الكثير من الأمثلة التي نقضت بها إيران المعاهدات وبطرق مختلفة أهمها أن
يجتمع البرلمان الإيراني لإصدار قرار بإلغاء المعاهدة أو الاتفاق المراد إلغاؤه أو
تعديله. هذا ما تكرر عدة مرات في إيران وقرار البرلمان الإيراني الذي يطلب من
الحكومة رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60% وما فوق ما زال ماثلاً أمامنا، وأتى
ذلك بعد توقيع الحكومة الإيرانية الاتفاقية مع الدول 5+1 حول تجميد أنشطتها
النووية بفترة وجيزة.

 

ولا بد للقطريين أن يتذكروا الطائرات العراقية التي نقلها العراق
لحفظها من التدمير إلى إيران قبيل الحرب الأمريكية العراقية، ظناً منه أن إيران قد
أصبحت جارة وصديقة، ويمكن الوثوق بها. ولكن سرعان ما تفاجأ العراق بدخول طائراته
المدنية ضمن الأسطول الإيراني بعد أن رسم عليها علم الجمهورية الإسلامية،
واعتبرتها إيران غنائم حربية، وتعويضاً لما لحق بها من أضرار نتيجة حربها على
العراق التي انتهت عام 1988، وبقيت هذه الطائرات في إيران إلى اليوم حتى بعد تغيير
الحكم في العراق واستلام حلفائها المقربين السلطة هناك.

 

أيضاً عندما أعطى الغرب كل الإمكانيات اللازمة لإيران محمد رضا
بهلوي ليكون شرطي الخليج، ودعموه ضد خصومه في الداخل والخارج، شق عصا الطاعة وحاول
بمفرده انتهاج سياسة لم تكن تتماشى مع مصالح الدول العظمى حين اشتد عوده وقوت
شوكته، مما سرع في سقوط نظامه آنذاك في عام 1979.

 

في النهاية إذا كان هذا التقارب الإيراني القطري بمبادرة قطرية،
الأجدربالسلطاتالقطرية أن تتمعن في سجل إيران جيداً قبل الدخول في أي مشروع مشترك
مع الإيرانيين. فالإيرانيون لا يؤتمنون ولا يمكن الوثوق بهم نظراً لسجلهم الحافل
في التملص عن أداء الواجبات التي تترتب عليهم نتيجة توقيعهم لمعاهدات أو اتفاقيات
أو عقود مشتركة. أما إذا كان بمبادرة إيرانية وهذا هو الاحتمال الأقرب إلى الواقع،
يجب على القطريين أن يعلموا أن إيران تريد من خلال هذا التقارب إبعاد قطر عن
محيطها الخليجي وبالذات عن المملكة العربية السعودية، وهي ليست بحاجة للخبرات
القطرية المتوفرة أصلاً عند حلفائها مثل الصين وروسيا. ولو حدث هذا التقارب فما
على الدول الخليجية إلا انتظار المزيد من الأزمات التي قد تختلقها إيران وتقحم
نفسها فيها، مثلما حدث في سوريا ولبنان والعراق وهذه المرة تكون إيران قد اقتربت
كثيراً من تحقيق حلمها الفارسي القديم الجديد.

 

مركز المزماة للدراسات والبحوث


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى