آراء ومقالات

#أحوازنا – طهران: نهاية العنترية.. قواعد أجنبية!

أدت تدخلات طهران في شؤون المنطقة وتسخير مواردها لتمويل ميليشيات إرهابية وجماعات متطرفة إلى تراجع قوّتها المالية والعسكرية وإمكانياتها في الاستمرار ميدانياً لفترة أطول. وبعد حروب استنزاف اقتصادي وبشري مزمنة، كما هو حاصل معها الآن في الأزمة السورية، تكشّف لطهران أن لطول نفَسها حدوداً، وقد تآكلت اليوم قدرتها على المناورة ومد الأيدي الأخطبوطية في كل اتجاه، وباتت العنتريات وسياسة رفع قفاز التحدي في وجه المنطقة والعالم في الرمق الأخير، وقد صار الذي صار، من ترهُّل اقتصادي وتهلهُل عسكري، مما بات مكشوفاً ومعروفاً ولم يعد ممكناً التغطية عليه بالتعتيم الداخلي والتهويل الخارجي.

فبعد أكثر من 5 سنوات من الخوض في مستنقع دعم نظام الأسد بكل ما أوتيت من قوة، ودعم ميليشيا «حزب اللَّات»، بدأت ملامح الضعف وخيبة الأمل والهزيمة واضحة وجلية في طهران وتصرفاتها العسكرية والسياسية، محاولةً الحفاظ على ماء الوجه متخلية عن سيادتها، حتى وإن كان ذلك على حساب أمنها القومي.

وذلك لأن السلطات الإيرانية بسماحها للدب الروسي استخدام قواعد إيرانية فهي بذلك تعارض دستورها في المادة 146 التي تمنعها من إقامة أي قواعد أجنبية في البلاد. ولطالما أصمت آذان العالم بادعاء أن من مبادئها في العهد ما بعد الشاهنشاهي عدم قبول وجود أي قوات أو قواعد عسكرية أجنبية في البلاد، علاوة على اعتراض نخب كثيرة وواسعة في الداخل الإيراني نفسه على إقدام السلطات في طهران على التنازل عن ذلك المبدأ الذي كانت تدعيه، وتعريض الأمن القومي الإيراني للتهديد المباشر بعد أن سمحت للقوات الجوية الروسية بكشف الدفاعات الجوية الإيرانية في عدة مواقع، خصوصاً أن الدب الروسي كان أحد الأقطاب الدوليين المعارضين لامتلاك طهران للسلاح النووي لأن ذلك يثير مخاوف الروس من إحداث خلل في توازنات القوى القريبة من الحدود الروسية.

لكن الإيرانيين مكنّوا الروس من قواعدهم كقاعدة «نوجه» و«همدان»، سعياً لما يخدم مصالح النظام فقط دون الاكتراث بالمصالح العليا للشعب الإيراني، وهذا الافتراق في المصالح ليس بالجديد أيضاً فقد فعلت طهران ذلك من قبل بإصرارها على دعم الإرهاب، والاحتفاظ بما تراه مكسباً لها في سوريا بتوهم إيجاد إطلالة لها على ساحل البحر المتوسط. ولا شك أن لهذا التنازل للروس دوافع كثيرة، أقربها إلى الذهن شدة تخوف طهران وتراجع معنوياتها بعد الخسائر الفادحة التي تكبدتها من جراء دعمها للإرهاب الطائفي في سوريا، وقد زادت خسائرها خصوصاً بعدما تمكنت قوى المعارضة من فك الحصار الذي كان مفروضاً على مدينة حلب.

والآن بات الأمر أكثر وضوحاً في عدم تمكن الإيرانيين من الوقوف بتماسك أكثر في سوريا نتيجة الخسائر الفادحة ليس فقط الاقتصادية وإنما أيضاً الخسائر البشرية والعسكرية في ميادين القتال بفقدان عشرات من الجنرالات والمسؤولين العسكريين في «الحرس الثوري» بطريقة لا يمكن إخفاؤها بغربال الدعاية الإعلامية عن الإيرانيين الذين بدؤوا يسألون عن جدوى كل هذه المناورات والمغامرات المكلفة.

والحاصل أن إيران مهما كابرت فقد فشلت في سوريا وبمجرد وجود قواعد روسية على أرضها فإن الكلمة الأولى ستكون للروس، سواء كانت في الميدان أم على طاولة المفاوضات، الأمر الذي يمثل ضعفاً واضحاً وتراجعاً أكيداً، وعدم قدرة على الثبات أكثر في الميدان.

وكان في مقدور العقلاء استشراف النتيجة الكارثية منذ البداية، وهي أن التدخلات السافرة لطهران في المنطقة العربية وزرع القلاقل والفتن والمشاكل لا تصب في مصلحتها، ولا تزيدها إلا تشتتاً في الجهد والموارد، ونتيجة كل ذلك الحتمية هي فقدانها السيطرة على المناطق التي احتلتها سواء بوجودها على الأرض أو بتوكيل ميليشيات عملائها ووكلائها لنشر الفوضى والذعر. والأمر المثير أن الآلة الإعلامية الإيرانية ما زالت تسعى لإخفاء الخسارة الفادحة وتغطية قرص الشمس بغربالٍ بالٍ مكشوف، وهي تتستر على حجم خسائرها المتفاقمة، وليس غريباً عليها تزييف الحقائق فتاريخها في كل ذلك مشهود معروف للجميع.

*صحفي إماراتي

المصدر: الاتحاد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى