آراء ومقالات

إيران وتكرار هجوم المالكي ضد دول الخليج العربي

في مقابلة لرئيس الحكومة في بغداد نوري المالكي عبر “قناة المنار” الطائفية التابعة لحزب الله اللبناني بُثت بتاريخ 22-4-2014، كرر المالكي رمي سهامه على منطقة الخليج العربي من خلال هجومه على المملكة العربية السعودية قائلاً: إنه في حالة حرب مع المملكة! متهماً إياها بأنها “دولة مشاكل بسبب سياساتها في دعم الإرهاب في سوريا والعراق واليمن وبلدان أخرى”؛ وحسب تصوره فإن “السعودية تعيش حلم إسقاط سوريا والعراق ولبنان، لكنها لن تنجح”؛ ودعاها إلى “الكف عن التدخل في الشؤون العراقية”.

وكذلك في كلمة ألقاها نوري المالكي يوم الجمعة الموافق 18-4-2014 خلال توزيع سندات قطع الأراضي في محافظة بابل حيث قال: “دعونا نقول بصراحة لأن الأمر لا يخفى على أحد فالنظام السعودي مسؤول عن دماء المسلمين جميعاً والثروة التي أعطاها الله في بيت الحرام تحولت إلى وسائل قتل وتدخل في شؤون الآخرين”؛ وأضاف: “ننصح النظام السعودي ونرشدهم لأنهم بحاجة إلى مرشد ونهديهم للطريق الصحيح، لأن هذه الأفعال لا تخدمهم، لأنهم يتحملون دماء المسلمين”؛ ثم اتهم النظام السعودي صراحة في “التدخل بشؤون العراق ودول عربية أخرى”؛ وتساءل المالكي قائلاً: “هل أن دماء العراقيين تباع بهذه السهولة؟”.

لقد أراد المالكي من هجومه على المملكة العربية السعودية أن يأتي ضمن سياق رد الفعل على ما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في تصريح أوردته صحيفة “الشرق الأوسط” يوم الأربعاء المصادف 16-4-2014 بأن المشاكل التي يعانيها العراق حالياً هي “داخلية وليست مع بلاده”؛ مشيراً إلى إنه: “من الأجدر لرئيس الوزراء أن يخاطب السياسيين العراقيين والشعب العراقي لحل قضايا العراق ولا يرميها على أحد”.

إلا أن حقيقة الأمر مع المالكي تعود إلى أبعد من ذلك، إذ في مقابلة مع قناة “فرانس 24” بثت مساء السبت المصادف في 9 مارس/آذار 2014، شن نوري المالكي هجوماً حاداً على أكثر من دولة خليجية، ونالت السعودية القسط الأكبر قائلاً: “أنهم يهاجمون العراق عبر سوريا وبشكل مباشر، بل هم أعلنوا الحرب على العراق كما أعلنوها على سوريا، ومع الأسف الخلفيات طائفية وسياسية”؛ مشيراً إلىأنالسعودية: المسؤولة بالدرجة الأولى عن أزمة العراق الطائفية والإرهابية والأمنية.

ومما تطرق إليه المالكي في المقابلة تحميل أكثر من دولة خليجية عن “إعلان الحرب على العراق”؛ وتابع قائلاً: “نستطيع أن نتخذ مواقف مقابلة لكننا لا نريد ذلك، وإلى الآن لم نتخذ إجراء مضاداً”؛ موضحاً: “لا نريد أن نوسع دائرة المواجهة إنما نقول لهم بضرورة الوعي بأن دعمهم للإرهاب سيعود عليهم لأن تركيبتهم الاجتماعية قابلة أن تجتمع فيها نار الفتنة”.

كانت الدوافع لهجوم المالكي على خلفية الاتهامات الموجهة له بتهميش واضطهاد السُّنة في العراق، والتضييق عليهم لأسباب طائفية؛ وأن قواته قد اعتقلت مواطنين خليجيين، منهم سعوديين وزجت بهم في غياهب السجون دونما أن يعرضوا على المحكمة، وتعرضوا للتعذيب والقمع الوحشي، ما دفع بالخارجية السعودية للمطالبة بنقل سجناء المملكة في العراق إلى منطقة كردستان حفاظاً على أرواحهم.

استنكر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني الادعاءات المتكررة التي يرددها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، بحق المملكة العربية السعودية، زاعماً تدخلها في شؤون العراق، ووصفها بالاتهامات غير المسؤولة التي تتنافى مع الأعراف السياسية والدبلوماسية.

وأعرب الأمين العام لمجلس التعاون عن رفض دول المجلس للمزاعم التي يطلقها رئيس الوزراء العراقي، والاتهامات التي يوجهها بشكل مستمر إلى دول المجلس، عاداً هذه المزاعم تأتي في سياق التغطية على الإخفاق في التعاطي مع قضايا العراق وقواه السياسية؛ ومؤكداً أن دول مجلس التعاون تكن للعراق وشعبه الشقيق كل محبة وتقدير، ويهمها عودة الأمن والاستقرار إلى العراق، وتعزيز وحدته الوطنية عبر عملية سياسية تشارك فيها كل الأطراف والقوى السياسية، ومكونات المجتمع العراقي كافة دون إقصاء أو تهميش.

واختتم الدكتور عبداللطيف الزياني تصريحه بالتعبير عن أمله في أن يتبنى رئيس الوزراء العراقي سياسات تسهم في استقرار العراق وتنميته، وتعزيز وحدته الوطنية، بما يحقق تطلعات أبنائه، وينسجم مع المصالح العربية العليا.

هذا واستنكر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد اللطيف بن راشد الزياني اتهامات المالكي الأخيرة، قائلاً: إن “المجلس يدين بشدة الادعاءات المتكررة التي يرددها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بحق المملكة العربية السعودية”؛ وإن اتهامات المالكي للسعودية زاعماً تدخلها في شؤون العراق اتهامات لا مسؤولة تتنافى مع الأعراف السياسية والدبلوماسية؛ ورأى الزياني أن “مزاعم المالكي تأتي في سياق التغطية على إخفاقاته في التعاطي مع قضايا العراق وقواه السياسية”.

في الحقيقة، إذا كان المالكي فاشلاً بامتياز في إدارة البلاد وعلى مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها، فلأنه يعكس مدى ارتباطه بالنظام الإيراني الذي يريد بالعراق مزيداً من التقهقر والتراجع في كافة المجالات والميادين؛ وكذلك يضمر لدول الخليج العربي، خصوصاً السعودية والإمارات شروراً متواصلة؛ لأنها وقفت بقوة ضد التنظيم الإخواني الوجه الآخر للمشروع الإيراني؛ وإلا ما معنى تكرار هجومات المالكي غير المبررة، إن لم يكن تنفيذاً للمخطط الصفوي الإيراني في المنطقة؛ فإيران لا تكف عن إرسال إشارات مبطنة لدولة خليجية ومنها السعودية، بأن النظامين العراقي والسوري شمالاً، وانتشار الحوثيين جنوباً هم مراكز امتداد إيرانية متقدمة في مجابهة السعودية.

ومن هنا تجد أن المالكي الذي وصف السعودية على أنها “دولة الشر التي تساعد الإرهاب في العراق والمنطقة” من ناحية؛ ويتوقع “سقوطها كما سقط نظام صدام” من ناحية أخرى؛ فإنه بالقدر الذي يكشف عن حقيقة النهج الذي يتبعه المالكي في سياسته الخارجية المعادية للنظام السعودي، بالقدر الذي تظهر فيه أيضاً مدى امتداد المشروع الصفوي الإيراني في المنطقة العربية؛ خصوصاً وأن حقائق الواقع والوقائع في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين تتجلى فيها الأذرع الأخطبوطية الصفوية جهاراً نهاراً.

رغم أن اتهامات المالكي المتكررة ضد هذه الدولة الخليجية أو تلك، تخلو من أية أدلة قاطعة أو براهين عينية واضحة، لكنها تدل على أن إيران هي التي تدفع بالمالكي لمواجهة سياسية خليجية يغطي فيها على فداحة خسائره العسكرية في المحافظات الست الثائرة، وخصوصاً في الأنبار.

وكذلك فإن المالكي يتهيأ لأمر ما يبقيه في السلطة بعد قلة حظوظه بالفوز في الانتخابات العامة التي ستجري في الثلاثين من شهر نسيان/أبريل الجاري.

ولقد لفتت صحيفة “عكاظ” السعودية في عددها الصادر يوم الأحد المصادف في 20-4-2014 إلى أن “المعطيات الأولية للانتخابات البرلمانية العراقية تشير إلى أن حظوظ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تتراجع في كسب هذه الانتخابات المفصلية على المستوى السياسي العراقي، باعتبارها المحدد الأساسي لاختيار رئيس الحكومة المقبل”؛ ونقلت الصحيفة عن مصدر مقرب من طارق الهاشمي أن “المالكي يعد وبشكل جدي لسيناريو لضرب أحد الأماكن الدينية في النجف من أجل تأجيج الحالة الطائفية وزيادة الاستقطاب المذهبي، الأمر الذي يخدمه في هذه الانتخابات”؛ وأوضحت أن “خطة المالكي لضرب أحد الأماكن الدينية في النجف، تكون أولاً عبر الترويج لخبر خطف طائرة مروحية من قِبل العشائر في الأنبار، في إشارة إلى ما يسمى بـ “دولة العراق والشام الإسلامية”، ويتزامن هذا الأمر مع إعلان وسائل الإعلام العراقية المقربة من المالكي أن ثمانية طيارين التحقوا بالمجلس العسكري في الأنبار، بعد ذلك تقوم قوات المالكي بقصف أحد الأماكن الدينية بواسطة طائرة مروحية، فيما تتجه أصابع الاتهام إلى عشائر الأنبار، بعد الإعلان عن انضمام الضباط إلى المجلس العسكري”؛ ورأت أن “المالكي يهدف من هذا السيناريو إلى تمركز القوة حوله وسط حالة الفوضى في العراق، ليظهر أنه الرجل القوي والمحافظ على الأمن والاستقرار، إضافة إلى العمل على إعلان حالة الطوارئ وإلغاء الانتخابات”.

إن ما سربه طارق الهاشمي، أو ما ذكره أحمد الجلبي في5-4-2014 على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي على الفيس بوك، قائلاً: إن “الأمور تتجه إلى ما لا يبشر بالخير، إذ تم قبل يومين إلغاء تسمية اللوائين 56 (بغداد) و57 (لواء حماية المالكي) وتشكيل قيادة القوات الخاصة من اللوائين، وكذلك إضافة لواء ثالث يشكل من منطقة طوريج مسقط رأس المالكي والمناطق المحيطة بها حصراً ويتمركز في مطار بغداد للسيطرة على مناطق الكرخ”؛ وقال: إن “هذه القيادة ستعمل بإمرة محمد رضا آل حيدر وكذلك بتنسيق عالٍ مع مجموعات مسلحة للسيطرة على مناطق الرصافة ومن ثم إعلان تأجيل أو إلغاء الانتخابات”.

فرغم أن كل الاحتمالات واردة، لأن المالكي يخشى مما ينتظره من ملفات جسيمة وخطيرة تدينه وتدين الدائرة الضيقة من حوله عائلياً وحزبياً، لِما ارتكبوه من جرائم قتل طائفي، وسرقات لقوت الشعب، وتبديد لثروات البلاد، لذا يحاول المالكي التمسك بتلابيب السلطة إلى آخر لحظة ممكنة؛ لكننا نستبعد أن يقوم المالكي في تنفيذ أية عملية يلغي بموجبها الانتخابات أو حتى القدوم على تأجيلها، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: إن الإدارة الأمريكية ولحساباتها الداخلية أمام شعبها تريد الحفاظ على الصورة المتبعة عن العملية السياسية الجارية في العراق، بأنها حديثة عهد بالانتخابات الديمقراطية، ومهما يشوبها بعض الإشكاليات والمنازعات، لكنها تتقدم رويداً رويداً؛ وبالتالي لن تسمح واشنطن للمالكي أن يبعثر العملية السياسية ويلغي أو يؤجل الانتخابات التشريعية وفقاً لحساباته الخاصة.

ثانياً: رغم أن طهران قد لوثت القانون بشكل فج وحولت خسارة المالكي إلى فوز بالانتخابات السابقة في العام 2010، وتود أن تفرضه أيضاً في الانتخابات الحالية، لكنها أمام معطيات جديدة تؤثر بصورة أو بأخرى على قرارها في هذا الشأن، ومن بينها:

أ‌-     إن الكتلة السياسية التي صنعتها إيران لتمسك بزمام السلطة في العراق، والمتمثلة في كتلة “ائتلاف التحالف الوطني”، وعلى رأسها التيار الصدري، قد واجهت حكومة طهران بأن يكون اختيار رئيس الوزراء من بين أعضائها، لا أن تختاره إيران وتفرضه قسراً عليهم؛ فالتجربة الاستبدادية والتسلطية التي مارسها المالكي عليهم وعلى عموم الشعب العراقي قد أوصلتهم إلى قرار شبه جماعي برفض ترأس المالكي لدورة حُكم ثالثة.

ب‌-إن الكتل السياسية سواء الكتلة الكردستانية أو غيرها ممن تتماشى مصالحهم مع إيران، قد أبلغوا حكومة طهران عن رفضهم القاطع أن يتولى المالكي رئاسة الوزراء في الدورة القادمة.

ج- إن مفاوضات إيران مع الغرب حول ملفها النووي منذ أربعة أشهر تقريباً، والتي يروم النظام الإيراني من خلالها بالوصول إلى اتفاق نهائي شامل يرفع عنه الحظر الغربي والأممي وفق التوقيت الختامي لها في شهر تموز/يوليو القادم؛ وبالتالي لا تريد إيران الانهماك في أمرٍ ليست له في هذه الفترة ضرورة قصوى، سيما وأن اللعبة السياسية في العراق ستبقى بيد “ائتلاف التحالف الوطني”.

ولكن مع اقتراب عقارب الساعة نحو الانتخابات العامة التي دخلت في أسبوعها الأخير، فهل سيحدث ما ذكره أحمد الجلبي أو ما سربه طارق الهاشمي أو غيرهما من الذين تعاملوا عن كثب مع المالكي؟ وهل بمقدور المالكي الإقدام على إلغاء أو تأجيل الانتخابات بشكل فردي؟ وماذا عن النتائج المتوقعة لِما بعد فرض المالكي نفسه على رأس السلطة؟ دون ريب، لا أحد يتكهن غير استنباط ما يجري، وما يجري من تكرار للمالكي في اتهاماته إلى المملكة العربية السعودية تعني أن في جعبته زوبعة، لكننا نجزم بأنها زوبعة في فنجان؛ فالمالكي مهما أكثر من حدة هجوماته المعادية على النظام السعودي، فهو ليس أكثر من بيدق بيد إيران، وملالي إيران على توافق مع الإدارات الأمريكية بالسيطرة على مقاليد الحُكم في العراق. وبالتالي لن يخرج المالكي عن حدود المربع المرسوم له في العملية السياسية البائسة والفاشلة.

وضمن عملية الاستنباط أيضاً يمكننا القول: إن خوف المالكي من خسارته بالانتخابات وما سيترتب عليها من متغييرات ستناله وتنال معه زمرته المقربة التي بطشت واستبدت أيما بطش واستبداد بحق العراق وشعبه، ربما قد تدفع بالمالكي ودائرته الضيقة بالتخطيط لعمل إجرامي غير متوقع، سواء استهداف أحد الأضرحة الدينية: للإمام علي بن أبي طالب في محافظة النجف، أو الإمام موسى الكاظم في بغداد (كما يُشاع الآن)، أو القيام بحملة اغتيالات واسعة يجندل فيها عدداً من المرشحين المناوئين له، أو تنفيذ سلسلة تفجيرات لأماكن حساسة ومهمة في العاصمة بغداد؛ إذ أن مسّ الإجرام في شخصية المالكي، وتعلقه الجنوني بالتفرد بالسلطة قد تفاجئ حتى الذين صنعوه وأجلسوه على كرسي الحُكم.

مركز المزماة للدراسات والبحوث

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى