آراء ومقالات

صفحات مُغيّبة من التأريخ الاحوازي(2)

"بينما كنت أجوب البراري ممتطيا المهر الخاص بالشيخ،كان العرب المرافقون لي ينشدون الأغاني،وهم يلوحون بالسياط في أيديهم،كما لو كانت حرابا،وكانت خيولهم تشرأب برؤوسها باعتزاز وتنشر ذيولها في الهواء طربا.هنا أدركت ما لتلك الحياة الحرة من سحر في هذه البلاد المجدبة،وما طبعتهم عليه من إرادة يعتزون بها." سيرجي سيروماتينكوف المبعوث الروسي للأحواز وصاحب مشروع قصر الشيخ خزعل في المحمرة.

الأمير العربي الذي كان متفوقا على أقرانه من الحكام بتبني خطط عمرانية وتعامل حضاري وانساني حتى مع ألد أعدائه وصاحب المواقف النبيلة مع اصحاب الديانات الاخرى ومنهم الصابئة واشقائنا المسيحيين حين ضاقت بهم الأرض خلال أحداث الحرب العالمية الأولى والبلاد التي كان يعمها الأمن والاستقرار و السلام وكانت في طريقها للمزيد من التطور والعمران وكان أميرها يطمح لتوظيف العلوم والتكنولوجيا الانسانية لخدمة الأمن والسلام بدل الحرب والدمار ،سلمها المستعمر الغربي للفرس صونا لمصالحه ومكاسبه المادية كما أوعز هذا المستعمر لاذنابه من حكام العرب أن يشاركوا معه جريمة أخرى وهي فرض طوق اعلامي على الاحواز وتعتيم أخبار شعبها حتى منحوا الفرصة الكافية للعنصرية الفارسية أن تفتك بالاحواز وبشعبها وأن تجعل من مدينة المحمرة الزهية وعروس الخليج وجوهرتها العربية مدينة فقر و جوع وحرمان.

هكذا أصبحت الاحواز وشعبها ضحية لعبة التوازن الإقليمي التي تأتي بعد كل صراع عسكري مابين الدول ومع شديد الأسف بدأت هذه اللعبة الدولية القذرة تعيد نفسها اليوم ليتكرر معها المشهد التوسعي الفارسي على حساب المنطقة العربية و شعوبها المجردة من مظاهر القوة والتطور الذاتي بعدما سقطت مابين فكي كماشة المستعمرالغربي حيث الفك الفارسي من جهة والفك الصهيوني من جهة اخرى.

 

وثيقة من ارشيف البرلمان البريطاني وفيها وزير الخارجية البريطاني ينفي ويتنكر لجميع التعهدات البريطانية تجاه الاحواز واميرها عام 1925م.

وبما أن النفط كان ولايزال يمثل أهم المصالح الحيوية بالنسبة للغرب،احتل النفط الاحوازي وسلامة تدفقه بعد الحرب العالمية الأولى المركز الأول في عقلية المستعمر الانجليزي ولهذا أقدم الانجليز على التنصل من كافة تعهداتهم الكتبية والشفوية تجاه الاحواز وشعبها وأميرها بعد ما مكنوا الفرس من احتلال الاحواز،حيث نجد في الوثيقة اعلاه وهي مستنسخة عن أرشيف البرلمان البريطاني وفيها نفي وزير خارجية بريطانيا آنذاك وكذبته تحت قبة البرلمان البريطاني وذلك في جلسة الرابع من شهر مايو من عام 1925 م أي حوالي أسبوعان بعد احتلال الاحواز وأسر أميرها ونقله إلى طهران،حيث طرح أحد النواب في البرلمان سؤالا على وزير الشؤون الخارجية السيد شامبرلاين،تسائل فيه عن التعهدات البريطانية التي اعطيت للشيخ خزعل ومسؤلية بريطانيا عن مصير أمير المحمرة.

يعد قرار تخلي الحكومة البريطانية عن الاحواز وأميرها الشيخ خزعل عام 1925م من اسوأ القرارات السياسية المبنية على المصالح المادية والبعيدة كل البعد عن المواقف الاخلاقية والانسانية،جاء هذا القرار من أجل ضمان تدفق المصالح الغربية وأهمها النفط بعد احداث الحرب العالمية الأولى لكنه ترك الشعب العربي الاحوازي فريسة العنصرية الفارسية دون حماية دولية .

 البارجة الفارسية”ببر”اي”النمر” التي أغرقتها القوات البريطانية في شط العرب اثناء دخول الجيش البريطاني لمصفاة عبدان النفطية في الحرب العالمية الثانية.

 واتيحت الفرصة للحكومة البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية لتقوم بخطوة انسانية وتصحح خطأها في التخلي عن استقلال بلاد الاحواز والاطاحة بحكمها العربي لصالح الفرس، لكن وكما حدث بعد الحرب العالمية الأولى مثّل النفط وفكرة ضمان تدفقه الهاجس الأهم لدى الانجليز حيث قامت القوات البريطانية في أولى خطواتها العسكرية في الأول من اغسطس/آب عام 1941م بمهاجمة البحرية الفارسية المتمركزة في مدخل شط العرب واحتلال مصفاة عبدان و وضع خط أنابيب النفط تحت حراسة جنودها المشددة خوفا من عمليات تخريبية يقوم بها جواسيس آلمان،كما قاموا بعزل ونفي رضا خان البهلوي الذي جائوا به ومكنوه من احتلال الاحواز ،الشخص الذي تنصل عن وعوده لهم وأخذته النزعة والغطرسة الآرية الفارسية واصطف بجانب عدوهم هيتلر وبعد الحرب العالمية الثانية جائوا بنجل رضاخان محمد رضا دون استذكار الماضي القريب وطرح القضية الاحوازية ظنا منهم أن الشعب الاحوازي خضع للهيمنة الفارسية ولسياسة أمر الواقع.

المحمرة عروس الخليج وجوهرتها العربية قبل الاحتلال الفارسي والتي أصبح اسمها “خرمشهر”،الأسم المزيّف الذي تعتمده وسائل الاعلام العربية مع شديد الأسف.

 بالرغم من تعهدات الحكومة البريطانية الخطية التي تعترف  بإمارة المحمرة وبأميرها الشيخ خزعل والتزامها بحماية هذه الامارة وأميرها من أي اعتداء أجنبي فضلت بريطانيا مصالحها على صديقها وحليفها الشيخ خزعل وتنكرت لموقفه المؤيد والداعم للانجليز في الحرب العالمية الأولى الذي جاء مخالفا للتوجه الشعبي العام في المنطقة ،الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام مراجع الشيعة الفرس في النجف خاصة اولئك الذين كانوا يتابعون ظهور رضا خان في طهران ويشاركونه النزعة الفارسية والطموح حيث قاموا بتحريض القبائل العربية ضد الحكم العربي في الاحواز.

واحدث التحريض الفارسي المغلف بغلاف الدين والشرع  شرخا وانقساما في اللحمة الوطنية الاحوازية آنذاك وكانت استجابة القبائل العربية لهذا التحريض بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ودفعت المستعمر الانجليزي لتغيير إستراجياته في المنطقة وأن يبحث عن البديل الأقوى الذي يضمن له مصالحه حتى يحافظ له على تدفق النفط لمصفاة عبدان حيث الخليج العربي.

رضا خان البهلوي والمرجع الديني السيد محمد كاظم اليزدي

 ولعل أبرز هذه الوقائع هي واقعة “الجهاد” والتي جائت نتيجة استجابة قبيلتي بنولام بقيادة الشيخ غضبان البنية وقبيلة بني طرف بقيادة عاصي الشرهان لفتوى المرجع الشيعي السيد كاظم اليزدي والتي أعلن فيها الحرب والثورة على الانجليز وحليفهم أمير الاحواز الشيخ خزعل حيث تقدمت هذه القبائل مدعومة بوحدات عسكرية تركية باتجاه نهر كارون عند مدينة الاحواز تمهيدا لعبور نهر كارون والوصول لخط أنابيب النفط الممتد من مسجد سليمان في الشمال باتجاه مصفاة عبدان جنوبا ووقف تدفقه وذلك للأضرار بالانجليز ووقف ماكنتهم الحربية واساطيلهم البحرية التي تميّزت على العثمانيين بسبب استخدامها لمشتقات النفط الاحوازي بدل الفحم الأسود.

وبعدما علم الانجليز بتقدم القبائل العربية باتجاه مدينة الاحواز أرسل الجنرال باريت في 29 يناير ثلة من قواته لحماية أنابيب النفط بالتعاون مع أمير الاحواز الشيخ خزعل وأتباعه وحدثت المواجهة في مرتفعات المنيور(مقبرة سيد هادي في طريق الاحواز- الحميدية) وكان ذلك في يوم 18 من شهر فبراير سنة 1915م والتي تكبد الجيش الانجليزي فيها خسائر فادحة بالارواح والمعدات من قبل الممتثلين لفتوى الجهاد ضد الانجليز.

يتبع…

حامد الكناني

المصدر :موقع كارون الثقافي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى