آراء ومقالات

صفحات مُغيّبة من التأريخ الاحوازي(3)

دعاني لتناول الغذاء،وقبل ذلك قدم إلي بعض الهدايا:سجادة وخاتم من الماس.وقد طلب بعض البنادق وطلب الحماية أيضا".یومیات صاحب مشروع القصر الخزعلي الدبلوماسي الروسي سيروماتينكوف.

نقلت لكم في مطلع الجزء الثاني من هذا المقال ما سجله سيرجي سيروماتينكوف وهو صحفي ودبلوماسي روسي أرسلته القيادة الروسية في العقد الأول من القرن الماضي لمنطقة الخليج العربي ومعه مجموعة من الخبراء الروس بمهمة سرية خاصة،حيث ذهب سيروماتينكوف للأحواز واستقر في مدينة المحمرة والتقی بأمیرها الشیخ خزعل بن جابر بعد ما زار الكويت.

 كانت القيادة الروسية ومنها جماعة الدوق العظيم ذات النفوذ الواسع في روسيا غير راضية عن الاداء السلبي للخارجية الروسية في منطقة الخليج مطلع القرن الماضي والدوق العظيم هو الكساندر ميخايلوفيتش(حفيد القيصر نيكولاس الأول وصديق الطفولة للقيصر نيكولاس الثاني).( البرفيسور عفيم رضوان 3 يناير2011م)

فأقدمت روسيا على إرسال خبراها بقيادة سيرجي سيروماتينكوف وذلك لبحث ودراسة أفضل السبل التي من الممكن ان تحسن علاقة روسيا  بأمراء الخليج العربي وأبرزهم في تلك الفترة أمير الاحواز الشيخ خزعل بن جابر.

ويذكر البرفيسور عفيم رضوان نقلا عن دفتر يوميات سيروماتينكوف أن الأخير التقى بالشيخ مبارك الصباح في الكويت ومن ثم أتجه نحو المحمرة والتقى بأميرها وتمتع بضيافته وحصل على هدايا من أمير الاحواز كما خاض معه مفاوضات سرية كانت من المفروض أن تؤدي بفتح الطريق أمام نفوذ روسيا في شمال الخليج وحصول الحكم العربي في الاحواز على الحماية الروسية بدلا من حماية المستعمر الانجليزي ومن أهم شروط القيادة الاحوازية التي وردت في وثائق سيروماتينكوف بعد مفاوضات سرية مابين الوفد الروسي وأمير الاحواز الشيخ خزعل والتي امتدت من يوم 14حتى يوم 27 من شهر اغسطس سنة 1901م و كتبت بخط يد سيروماتينكوف،كانت كالتالي:

–         علينا أن ندافع عنه(الاحواز وأميرها) ضد أعدائه برا وبحرا.

–         إذا اقتضت الضرورة علينا أن نزوده بالعتاد والمال.

–         علينا ألا نحرمه من رعاياه ولا نتدخل في شؤونه الداخلية،أو نحرمه من عوائد الجمارك التي تحصل برا أو بحرا،مع عدم التدخل في طريقة إدارتها أو مطالبة أي جهة فيما عداه بالحساب.

–         علينا أن نرعى ذريته بعد وفاته،ونسعى إلى التوفيق بينهم وحمايتهم من هجمات الأعداء على مر العصور،طالما بقيت روسيا.

–         يتعهد الشيخ بتزويدنا على الفور بخمسة آلآف فارس،مسلحين بالبنادق ويحمل كل منهم 500 خرطوشة.

ويضيف البرفيسور رضوان بعد ذكر شروط أمير الاحواز على الموفد الروسي:

« من الواضح أن محادثات سيروماتينكوف في الكويت والمحمرة كان من الممكن أن تحدث تغيرات حاسمة في توازن القوى بمنطقة الخليج.»مذکرات سیروماتینکوف عن الکویت والمحمرة-عفیم رضوان

وبالرغم من سعي حاكم الاحواز باخفاء مهمة سيروماتينكوف السياسية ووصفه مهندسا معماريا جاء من روسيا لتنفيذ مشروع قصر الشيخ خزعل في المحمرة، كانت زيارة الخبير الروسي مكشوفة للانجليز،حيث نجد في مذكرات سيرجي سيروماتينكوف أن أمير الاحواز كان محتاطا للغاية في عقد جلسات التفاوض الثنائية مع المبعوث الروسي حيث كان يختار توقيتها عند الفجر بعيدا عن عيون الجواسيس والمخبرين.

ويذكر البرفسور الروسي ايفيم رضوان أن أحد أحفاد المبعوث الروسي سيروماتينكوف عثر أخيرا على وثائق مهمة تخص رحلة جده وتحتوي على مسوّدة اتفاق مع أمير الاحواز الشيخ خزعل(الصورة اعلاه).

وقد روى الحفيد بوريس سيروماتينكوف للبرفيسور رضوان شخصيا قصة عثوره على هذه الوثائق اثناء قيامه بترتيب شقته وتنظيف خزانة كتب قديمة،حيث اكتشف وجود قسم سري بها عندما اشتبك به طرف فرشاة التنظيف.

المعلومات التي ذكرتها اعلاه ظهرت مؤخرا وتعتبر من المصادر القيّمة لحقبة تاريخية مهمة لوطننا الاحواز،حيث تكشف خفايا زيارة المبعوث الروسي مطلع القرن الماضي ومفاوضاته السرية مع الشيخ خزعل والتي تدل وبكل وضوح على حرص أمير الاحواز وسعيه الدؤوب لصيانة الاستقلال والسيادة العربية في الاحواز وكسب التأييد الدولي من خلال القنوات الدبلوماسية بعيدا عن بلاد فارس وأطماعها.

هناك نقطة جوهرية تناقلتها ووثقتها معظم الوثائق والكتب التاريخية وهي أن الشعب العربي الاحوازي وفي جميع المراحل التاريخية لم يتنازل طوعا عن استقلاله وعن سيادته على أرض الاحواز وإنما تعرضت الاحواز لاحتلالات عدة بسبب موقعها الجيو ستراتيجي ومن هذا الباب فرضت علينا معاهدة أرضروم التي عقدت مابين الدولتان العثمانية والفارسية عام 1847م والتي حملتنا بنوعا من التبعية الأسمية للدولة الفارسية فقط ومع أن هذا الفرض والتحميل جاء دون الأخذ برأي الشعب العربي الاحوازي لكنه كان يتضمن تعهد الدولة الفارسية واعترافها باستقلال الاحواز الذاتي وبالسيادة العربية فيها كما تضمنت معاهدة ارضروم  إقرار الدولة الفارسية بعدم التدخل بشؤون إمارة الاحواز الداخلية وتكرر هذا الاقرار في عهد الملك القاجاري ناصر الدين شاه عام 1857م والذي اعترف فيه رسميا باستقلال المحمرة على أنها إمارة وراثية لها سيادتها وقوانينها الخاصة لكن الدولة الفارسية نكثت بوعودها وتعهداتها الدولية فيما بعد  ولم تكتفي بالتدخل بالشؤون الاحوازية من بعيد بل انتهكت سيادة الاحواز وأسقطت حكمها العربي بعد ما دخلتها بخداع ودعم أجنبي ومن ثم استولت عليها بالقوة العسكرية.شاهد(1) – (2) – (3) – (4) – (5).

في حين تعترف القوانين والأعراف الدولية وتؤيد شرعية المعاهدات والاتفاقيات والعقود المبرمة مابين الدول والمؤسسات والافراد فقط في حال التزام الاطراف الموقعة عليها وذلك من خلال احترام بنود هذه الاتفاقيات والمعاهدات وتنفيذ الشروط الواردة فيها.

وهنا يتسائل المرء عن موقعنا القانوني والشرعي وعن موقفنا السياسي والاخلاقي تجاه بلاد فارس بعد ما انتهكت القوانين والأعراف الدولية ونكثت حتى بالوعود والشروط التي اشترطتها على نفسها.

 هناك بعض النخب الأحوازية وأنا كنت معهم ومؤيدا لهم في طرحهم بضرورة التماشي مع الأطياف الفارسية خاصة المعارضة منها والابتعاد عن استفزاز الفرس بالحديث عن الاستقلال والذي يمثل الارادة الحقيقية للشعب العربي الاحوازي والاكتفاء بعرض المظالم ومطالبة الحقوق.

وتغيّرت قناعاتي بعد ما عجزت عن العثورعلى شخصية  فارسية واحدة تحترم ماضينا وتعترف بحقوقنا،ناهيك عن الاعتذار لشعبنا عن السياسات العنصرية وجرائم الحكومات الفارسية في الاحواز. ( شاهد نقاشي مع أبرز شخصيات المعارضة الفارسية)

ومن هنا يمكن القول أن تبني المشاريع السياسية حتى وأن كانت مرحلية لا يجب أن تأتي على حساب واقعنا التاريخي حيث ندعم ومن حيث لا ندري محاولات العدو المستميتة لفرض سياسة أمر الواقع ونسيان الماضي ومسح الحقائق التاريخية من الذاكرة الشعبية الاحوازية.

تلك المحاولات العنصرية الفاشلة والتي حاولت النخب والحكومات الفارسية طيلة تسعة عقود النيل من ارادة الاحوازيين وكسرها من خلال استهداف ذاكرتهم الشعبية ومسحها،الذاكرة التي حيّرت العقول وأثبتت حتى الان تفوقها على فايروسات التزييف والتزوير العنصري الفارسي وبجداره.

حامد الكناني

المصدر :موقع كارون الثقافي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى